طالب عبد العزيز
بدا العرض الذي قدمه محافظ البصرة لدولة الكويت والخاص بمساعدتها نتيجة الفيضانات والسيول الأخيرة، التي تعرضت لها البلاد، بدا غريباً لدى البعض، ولم يخل من تندر كثير من المعلقين، على صفحات التواصل الاجتماعي. لكن، لِمَ لا ؟ الكويت دولة جارة وصديقة، وترتبط بعلاقات طيبة مع العراق والبصرة بخاصة، وأهل الكويت طيبون، مثل أهل البصرة والعراق، والناس في المدينتين مرتبطون بعلاقات اجتماعية عميقة جداً، ولعل كلمة(خالي) هي أول مفردة تسمعها من موظف الحدود في العبدلي، وهذا، إحساس لا مِراء فيه، ذلك لأن نسبة كبيرة من الكويتيين كانوا قد تزوجوا من عراقيات، وعلى فترات طويلة. العلاقة إذن، هي بين الخال وابن اخته، فضلاً عن كونها بين بلدين عربيين، أو مدينتين جارتين.
وهنا، قد نحتاج الى مراجعة أكثر تفصيلاً، ربما يتحدث التاريخ البعيد بحديث متشنج، انتفت الحاجة اليه، لكننا، في العراق الحالي، وبعد سنوات من التشكيك والهمز واللمز أحوج ما نكون الى العقلانية في التعامل مع الجيران، بعد أن انطوت بإذن الله صفحة الإيذاء بيننا الى الأبد.
ذات يوم، سألتُ قيادياً في حزب شيعي كبير، عن السبب الذي قاده الى الذهاب الى إيران، عقب أحداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 فقال لي بالحرف الواحد:" لو فتحت الكويت والسعودية ودول الخليج أبوابها لنا لما ذهبنا الى إيران". بمعنى أن العلاقة بين العراقيين وجيرانهم وبسبب النظام السابق كانت غير ما نحن عليه اليوم.
على ضوء ذلك نقول: الحق، إن الجهد الهندسي العراقي جهد لا يستهان به، والنخوة العراقية-البصرية معروفة عند العرب، وما تعرضت له الكويت من سيول جراء الأمطار الأخيرة كان كبيراً جداً، لذا، نعتقد بأنَّ الفرصة مؤاتية فعلاً، لكي يعبر البصريون فيها عن نبلهم وموقفهم الوطني الشجاع، في مدهم يد العون لأشقائهم هناك، وكنت أسعدت ببعض المناشدات الشخصية التي قام بها بعض المعلقين الكويتين، بضرورة مساعدة البصرة ووقوفها الى جانب دولة الكويت في محنتها بوصفها المدينة الأقرب، وبحكم عشرات الأسباب الإنسانية والاجتماعية والسياسية أيضاً.
لكن، ما يدعو بعض المعلقين العراقيين الى الوقوف على دعوة المحافظة لنجدة الكويت، هي المقارنة غير المعقولة، بين حقيقة الخدمات في الكويت وحقيقة الخدمات في البصرة، هذه المقارنة الصعبة والمستحيلة، بين مدينة نظيفة في شوارعها وتقاطعاتها، خالية تماماً من النفايات ومنضبطة في أداء موظفيها، وبين مدينة مختلفة تماماً وتشهد تراجعاً في واقعها الخدمي، منذ سنوات وسنوات.
وهنا، كم سيكون العرض الذي تقدمت به محافظة البصرة مهماً وذا معنى نبيل، لو أنها قدمت لمواطنيها وقامت بما يتوجب عليها القيام به، وجعلت من البصرة مدينة تشبه ولو إلى حد ما إحدى مدن الكويت. لا نريد أن نلقي باللائمة على شخص المحافظ، أو بعض الاسماء في المجلس، فالرجل حديث العهد بالمنصب، لكننا نتحدث عن نظام الإدارة البليد والسيئ في العراق بعامة، الذي استمرأ الفشل منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.