adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
ليس من دولة في أوروبا ولا في أميركا ولا حتى في شرق آسيا يجيئنا المثال هذه المرة. إنه يأتي من دولتين هما الأصغر في مساحتهما والأحدث في تاريخهما من دول الجوار العربي .. الأردن والكويت تحديداً.
الكويت تعرّضت منذ أيام إلى عاصفة وأمطار غزيرة تسبّبت في إغراق عدد من الطرق والمنازل في بعض المناطق. في الحال تقدّم وزير الأشغال العامة ووزير الدولة لشؤون البلدية باستقالته من منصبه متحمّلاً المسؤولية المعنوية والأخلاقية عن عدم الكفاءة في مواجهة ظروف طبيعية غير متوقعة كهذه، مع أنه لم يمرّ عليه وقت طويل في المنصب الذي تولّاه في كانون الأول من العام الماضي.
الوزير حسام الرومي قال في بيان استقالته: "انطلاقاً من مسؤولیتي الأدبیة وتعزیزاً للنهج الذي اختطّه رئیس مجلس الوزراء في تحمّل تبعات المسؤولیة الجسیمة التي تتحملها الحكومة فقد تقدّمت باستقالتي إلى الرئیس".
قبل استقالة الوزير، كانت الحكومة الكويتية قد أقالت مدير عام هيئة الطرق والنقل البري من منصبه وأحالته وعدداً من المسؤولين في مديريته الى التحقيق.
في جارنا الآخر ، الأردن، حدث أن استقال وزيرا التعليم والسياحة في الأول من الشهر الجاري على خلفية مقتل 21 شخصاً، أغلبهم تلاميذ، في سيول جرفتهم خلال رحلة مدرسية في منطقة البحر الميت، الشهر الماضي. جاءت الاستقالة بعد أن توصّلت لجنة تحقيق برلمانية الى أنّ إهمالاً من جانب الوزارتين يقف وراء الحادث الذي سارع رئيس الوزراء عمر الرزاز الى الإعلان عن تحمّل حكومته المسؤولية عنه قائلا "إن واجب الحكومة في مثل هذه الظروف، وفي ظلّ هذه اللحظة الصّعبة، ليس البحث عن (كبش فداء)، بل واجبها تجاه أرواح أطفالنا الأبرياء أن تتحقّق من الحيثيّات بأكملها، وأن تحدّد المسؤوليّة بدقّة، وأن تكشف بوضوح عن أوجه التّقصير والإهمال والخلل المؤسسي، حتى لا تتكرّر مثل هذه المأساة". وأضاف "إن الدول الناجحة ليست تلك التي لا تخطئ، فلا أحد معصوم عن الخطأ، وإنّما هي التي لا تكرّر أخطاءها، فتستخلص الدروس والعِبَر، وتعكسها فى عملها، وتحدّد المسؤوليّات بدقّة، وتحاسب المقصّرين بكلّ حزمٍ، ودون تردّد".
هنا، في العراق، عشرات الكوارث التي يعادل حدثت منذ 2003 حتى اليوم أصغرها في حجمه ووزنه عشرات المرّات ما حدث في الكويت والأردن، ولم يحصل أن أعلن أحد مسؤوليته، الأدبية في الأقل، عن أيّ منها... من عمليات هروب الإرهابيين من السجون بالجملة الى نهب عشرات المليارات من الدولارات من المال العام، إلى سقوط الموصل وثلث مساحة العراق، إلى مجزرة سبايكر.. وعشرات مثلها.
صحيح أنه جرت تحقيقات برلمانية وحكومية في بعض هذه الأحداث، لكن لا أحد أعلن النتائج ولا أحد تحمّل المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة، بل إنّ المسؤولين المباشرين عن تلك الأحداث من رؤساء وزارات ووزراء وجنرالات في الجيش والشرطة والاجهزة الأمنية ما انفكّوا يبرّئون أنفسهم منها!
لماذا يتصرّف المسؤولون الكويتيون والأردنيون على النحو الذي تصرّفوا به ولا يفعل مثله المسؤولون في دولتنا ونظامنا الجديد؟ .. الفرق أنّ الكويتيين والأردنيين يحبّون بلديهما، بخلاف مسؤولي دولتنا الذين لا يحبّون غير أنفسهم. هذه هي الحقيقة بكلّ بساطة.