اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البرج العاجي: مايكل جاكسون على الجدار

البرج العاجي: مايكل جاكسون على الجدار

نشر في: 11 نوفمبر, 2018: 06:52 م

 فوزي كريم

درجة الحرارة في بغداد تجاوزت الخمسين. على شاشة التلفزيون العراقي نصائح للمواطنين بشأن الوقاية من الشمس وحرارتها. في طريقي إلى مركز لندن التقيت في الشوارع العامة بنصائح مقاربة، ودرجة الحرارة تكاد تبلغ الثلاثين. رطوبة الجو اللندني تُثقل وزنَ أشعة الشمس، ووزنَ الهواء، ووزنَ الخطوات. زجاجة ماء، هذا أول ما عليّ أن أحتمي به، ثم قبعة تقي الرأس. إن من يبلغ السبعين لا يصلح لقُرّ الشتاء ولا لقيظ الصيف.
أعرف أن ثمة معرضاً موسعاً في "المتحف الوطني للبورتريت"، بعنوان "مايكل جاكسون: على الجدار"، يحتفي بانعكاسات المغني الأيقونة على الفنون البصرية. قبل أن أبلغ المتحف توقفت مبهوراً، وللمرة الثانية، أمام منحوتة "الثور المجنح" المطلة بزهو على "ساحة الطرف الأغر". المنحوتة عُملت من قناني "الدبس" (عسل التمر) العراقي بيد الفنان الأمريكي "مايكل راكوفتس". الأصل، الكائن على بوابة "نيرﮔال" لمدينة "نينوى"، والذي يعود إلى 700 قبل الميلاد، حُطّم على يد متطرفي "داعش" في 2015، مع ما حُطّم من متاحف الموصل. بشأن زيارة "مايكل جاكسون"(1958 ـــ2009) كنت كثير التردد، فهو لم يتجاوز الإثارة لدي حتى في وفاته. والإثارة عادة لا توفر متعة تتسم بالعمق، ولعل العلة كامنة في انصرافي الجدي للموسيقى الكلاسيكية، وأحياناً نادرة لموسيقى الجاز. أما الموسيقى الشعبية فلي من الموسيقى العربية ما يكفيني ، ويفيض. ولكني بلغت أعتاب "متحف البورتريت" ولا سبيل للتردد.
يُسهم في المعرض قرابة 50 فناناً في شتى الفنون البصرية: منحوتات خزف، لوحة كلاسيكية تحاكي "روبنز"، تضعه على فرس شأن الملوك، ألعاب فيديو، لقطات تلفزيونية، صور شخصية وضعها "آندي ورهول"، ولوحات تصوره محمولا بحضن المسيح، على شاكلة المسيح محمولاً بحضن السيدة العذراء، أو بهيئة الملاك جبريل وهو يهزم الشيطان...الخ أعمال تنسجم مع موسيقى وغناء ورقص "مايكل جاكسون"، وهي موسيقى تلاحق الزائر في كل ركن من أركان المعرض، الذي يشكل احتفالاً موسيقياً وفنياً "مابعد حداثي". ولأن بيني وبين هذه "المابعد حداثة"، التي تجاوزت العقل، حلقةً مفقودة، كنت على غير وعي أُسرع الخطى، عن غير إحساس بالندم. فالزيارة نافعة على كل حال، لأن المعرض يريد أن يثبت في ذهني أن "مايكل جاكسون"، خاصة عبر بورتريت الفوتو له ولـ "بودلير"، بأنه آخر الحداثيين مقترناً بأولهم. وهذه اجتهادات وليدة اعتباط نقاد الصحافة ومعارض الفن.
خرجت من المعرض دون مكسب حقيقي للعقل وللروح. إلا أن في صيف لندن ما يعد ببضعة مسرات صغيرة. في أزقة حي "سوهو" القريبة كنت أنظر بعين الحسد لجمهور البارات والمقاهي والمطاعم وهو يحتسي بحرص الظامئ الجعةَ الباردة. إن لي معدةً تأبى سَورةَ الكحول، وقلباً يبحث عن ذريعة للشكوى. تعاليت عن الحسد، وتركت جمهور الجعة وراء ظهري. انتهيت إلى الحي الصيني، الذي تستهويني مطابخه. أحب تأمل بطّه ودجاجه ولحومه المعلقة خلف زجاج الواجهة، محمصةً بالطريقة المعقدة التي لا يُحسنها إلا أهل الصين. وبعد التأمل تأخذني أريحية من يريد أن يكافئ النفس، على جهدها الفني الذي لم ينعم عليها بالفائدة التي كانت تنتظر، بوجبة غداء الظهيرة على هذا المستوى من التحميص. اخترتُ طاولةً داخل مطعم صغير اخترته، ورحت أنظر إلى قائمة الطعام الطويلة. وقعت بيسر على مبتغاي: بط محمص مع صحن رز. ثم نظرت إلى ما هو بحري، من أجل صحن جانبي، حيث ألقيت النفس على قائمته كما يُلقى النرد. جاء النادل فطلبت الأول دون تردد، ثم وضعت سبابتي على طعام بحري مناسب السعر، حيث وقف النرد، بهمة من يعرف أسرار الطعام الصيني. كنتُ موفقاً في كليهما.
بملقطتيْ خشب أُدبر الأمر، مستعيناً سراً بالنظر الجانبي إلى الزبائن، يأكلون بتسارع ماهر وبصوت مسموع. موسيقى "مايكل جاكسون" مازالت تتردد أصداءً في رأسي، وحركاته الراقصة تتقاطع مع ملاقط الخشب بيد الآكلين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram