adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
يعطيها ألف عافية، هيئة النزاهة، عمّا أنجزته أخيراً وأعلنت عنه أمس بالقول إنها تمكّنت، بالتعاون مع مكتب المفتّش العامّ في أمانة بغداد، من إعادة ملكية عقار في بغداد إلى مالكته، الدولة، احتال مسؤول كبير في الحكومة السابقة من أجل تسجيله (بيعاً) باسم زوجته.
بيان الهيئة أوضح أن العقار الواقع في الكاظميَّة ببغداد، متميّز بموقعه وبمساحته البالغة 642 متراً مربعاً (عشرات آلاف العائلات العراقية تعيش الآن في بيوت وشقق لا تزيد مساحة الواحدة منها على 60 متراً مربعاً،عدا عن عشرات الآلاف غيرهم ممّن يعيشون في الأكواخ وبيوت الصفيح، فضلاً عن أضعاف أضعافهم الذين لا يجدون 40 متراً مربعاً ليبنوا لهم عليها بيوتاً تشبه أقنّة الدجاج).
البيان كشف عن أنّ العقار التابع للدولة المُستعاد كان قد استحوذ عليه " مسؤول كبير في الحكومة السابقة" وسجّله باسم زوجته "خلافاً للضوابط القانونيّة المتمثّلة بمقتضيات قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 32 لسنة 1986، من دون إجراء المزايدة العلنيّة".
هيئة النزاهة لم تمضِ أبعد في بيانها للكشف عن اسم المسؤول ولا عمّا إذا كانت القضية قد انتهت عند استعادة العقار المنهوب فقط .. " ويا دار ما دخلك شرّ!"، من دون أي إجراءات في حقّ المسؤول الكبير في الحكومة السابقة وفي حقّ زوجته وغيرهما ممّن يُمكن أن يكونوا قد تواطأوا في عملية "الفرهدة" هذه.
بالطبع، هذه واقعة ليست نادرة الحدوث في هذي البلاد، مثلها يحصل كل يوم تقريباً منذ 2003 حتى الآن، بأشكال وأساليب مختلفة.
المُفترض ألا تنتهي القضية عند استعادة العقار، فالمسؤول الحكومي الكبير يتعيّن أن يواجه العدالة التي لابدّ أن تُنزل فيه عقوبة عمّا اقترفته يداه، بل لابدّ أن تكون العقوبة مشدّدة لأن هذا المسؤول قد خان الأمانة واستغلّ وضعه ونفوذه في الحكومة والدولة ليسطو على المال العام. الزوجة هي الأخرى تستحقّ عقوبة لتواطؤها في ارتكاب هذه الجريمة، وكذا الحال بالنسبة للموظفين الذين أذعنوا لإرادة هذا المسؤول الكبير وسهّلوا أمر ارتكاب الجريمة في حقّ المال العام الذي هو مال 38 مليون عراقية وعراقي.
هذا الكلام ليس موجّهاً إلى هيئة النزاهة، فهي بوصفها هيئة تحقيقية ينتهي دورها عند إنجاز التحقيقات في القضايا المعنيّة بها وإحالتها إلى القضاء. القضاء هو المقصود بالكلام هذا، وبالذات جهاز الادّعاء العام المفترض أن يتولّى متابعة ما تبقّى من القضية، بوصفه الهيئة التي كلّفها القانون بـ "حماية نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية والمصالح العليا للشعب والحفاظ على أموال الدولة"، و"احترام تطبيق القانون"، و"مراقبة تنفيذ القرارات والأحكام والعقوبات،على وفق القانون".
استعادة المال العام المنهوب من ناهبيه ليست عقوبة. العقوبة واجبة ومحتّمة في جريمة كهذه ،لأن "المال السائب يُعلِّم السرقة".. جهاز الادّعاء العام لابدّ أنه يُدرك هذه الحقيقة أكثر من غيره. الإدراك لا يكفي.. ننتظر العمل.