ترجمة: عادل العامل إن ضباب الكبت الذي يكتم الكثير من الإنتاجات الأميركية أو البريطانية لمسرحيات تشيخوف غائب عن تقديم مسرح مالي دراما الروسي لـ " الخال فانيا "، التي يمكن مشاهدتها في مسرح هارفي بأكاديمية بروكلين للموسيقى الآن. فإحياءً للذكرى السنوية الـ 150 لميلاد تشيخوف بجولة عالمية، تأتينا هذه الفرقة الروسية المحترمة، التي يقودها المخرج ليو دودين،
بالمذاق الشهي لأشهر مسرحيات تلك البلاد، كما يقول تشارلس أشروود في مقاله هذا.إن فانيا، بدايةً، لا يصوره سيرجي كوريشيف كشخص فأري و مستضعَف ذي إرادة ضعيفة، مستغرق في تأمل نكَد المزاج حتى ذلك الاندلاع المتأخر القدوم للألعاب النارية و إطلاق النار. فهو، من اللحظات الافتتاحية للمسرحية، ذلك الرجل المجعجع المنطلق عاطفياً الذي يحتفظ بحيوية متميزة. و فانيا السيد كوريشيف، الطويل النشيط، بشعره اللين الأسود و لحيته الكثّة، ينضح مغناطيسيةً قوية ضعُفت لكنها لا تزال تُرى. و إنه لأمرٌ يمكن تصديقه بحزنٍ حين يروح يفكر متأملاً أنه قبل عقد فقط من الزمن كان من الممكن أن يكون قد واتته الفرصة للتودد إلى أليناه الحبيبة، المتزوجة الآن من أرمل أخته، و خطبها لنفسه. إن فانيا القوي هذا يشدد على جمل تشكياته المريرة بإيماءات متوسلة من يديه الكبيرتين، اللتين تبدوان و كأنهما تمتدان أبداً طلباً للتعاطف، أو و هو يلفّ شخصاً ما في عناقٍ مريح، كما يحصل حين يُبدي رد فعله تجاه قصة زوج تيليجين المخدوع عن طريق تطويقه في عناق الدببة من الخلف، و بسحره الخشن و عينيه الزرقاوين الضارعتين، فإن فانيا السيد كوريشيف يشبه بالفعل دباً فتيّاً كبيراً ــ دبّاً تركه خارجاً في المطر طفلٌ مهمل.أما إيلينا كسينيا رابوبورت ( أي ألينا التي تمثّلها كسينيا هنا )، فهي غنية بالألوان على نحوٍ مماثل، و هي انطلاقة مرحَّب بها من الصورة المألوفة للشخصية كإمَّعة محبوبة لكنها تميل إلى البرودة. و يُظهر شحوب جمال الآنسة رابوبورت الأنيق الآن آثار التوتر الذي أحدثه العيش مع زوجها الصعب، البروفيسور سيريبرياكوف ( و يمثّله إيغور إيفانوف ). لكن حين تشهد ألينا نوبات تعكر مزاج سيريبرياكوف بسبب مرض النقرس، فإن الإشارات الدالة على عمق حبها الأول لا يمكن أن يُخطئها الواحد.إن المشهد الذي يلي ذلك، عن التقارب بين ألينا و سونيا ابنة أخت فانيا ( و تمثّلها الينا كالينينا )، هو أشد مشاهد الأمسية تأثيراً. إذ نرى ألينا و هي تنزع سدادة قنينة النبيذ احتفالاً بصداقتهما المجدَّدة، تصرح بالحقيقة المتعلقة لشعورها بالاحباط، ذائبةً في دموعٍ هادئة و هي تتأمل حالة اليأس التي تشعر بها في ما يتعلق بالمستقبل. و هنا، تزيح سونيا عنها صمتها لتعترف بفرحة غريبة مفاجئة، يوحي بها الأمل الخجول في أن حبها نحو الدكتور أستروف ( و يمثّله إيغور تشيرنيفيتش ) يمكن إعادته بطريقةٍ ما. و إنها لحظة تشيخوفية بامتياز ــ السعادة و اليأس يجلسان جنباً إلى جنب، و هو ما تقدمه الممثلتان معاً بجلاءٍ مؤثر. وبالدرجة نفسها من الرمزية نجد المحاورة غير المريحة بين فانيا و ألينا في المشهد نفسه، حين تقابل ألينا اعترافه المتوهج بالحب بارتباك يتَّسم بنفاذ الصبر. و نرى الانفصال العاطفي بين شعور إحدى الشخصيتين و استجابة الأخرى يجري مثل موتيفة موسيقية من خلال " الخال فانيا " و يتتبعها السيد دودين على نحوٍ بارز جريء بشكلٍ استفزازي.و يفرز إخراجه لها بالفعل بعض المشاهد ذات أجزاء مفرطة من العمل business. فنجد ذلك المقطع بين ألينا و سونيا، مثلاً، يُختتم بشكلٍ ممتاز بعودة سونيا إلى إخبار ألينا بأن سيريبرياكوف قد منعها من العزف على البيانو ــ و هو إرخاء لبهجةٍ عفوية يمكن أن تكون محطمةً للقلب. و يخفف السيد دودين من التأثير عن طريق جعل المشهد يستمر في صمت لما يشعر به المرء و كأنه خمس دقائق أخرى، حين ترتعد ألينا بغضبٍ مرير و ترمي سونيا نفسها على الجدران في ما يعني أنه حالة ابتهاج ( أو نوبة ) من الرغبة.و يمكن القول إن السيد دودين يستخرج عموماً عملاً طيباً من ممثليه، الذين نجد راحتهم comfort في المصطلح المميز لتشيخوف تنقل نفسها بسهولة عبر حاجز اللغة. كما نجد أستروف السيد تشيرنيفتش جافاً و منغمساً في الملذات بشكل غير عادي في الوقت نفسه. و من بين اللحظات الكثيرة الهزلية جداً لتلك الأمسية تلك التي يتحدث فيها من دون انقطاع مع ألينا عن الدراسة الإحصائية و الطوبوغرافيا المحلية، الأمر الذي تحاول التملص منه بشرود الذهن، و سأم عينيها، و الإرباك في حيرة المشاعر في قلبها الذي يجعل من المستحيل تركيزها.و على العموم فإن من الأمور التي تبدو ظالمةً و هي تحوّم فوق الشخصيات على امتداد المسرحية تلك التي ترمز لوطأة عالم العمل اليومي، التي تنزل لتستنفد ــ لكن لتعزي أيضاً ــ فانيا و سونيا في اللحظات النهائية من المسرحية. و تلك كناية رائعة، مثل كثيرٍ غيرها في إنتاج السيد دودين، جريئة بقدر ما هي مؤثرة أيضاً. rnعن / International Herald Tribune
"فانيا" تشيخوف..فـي جولة بمناسبة الذكرى 150 لميلاد الكاتب
نشر في: 24 إبريل, 2010: 05:37 م