TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الدعاء رأس مال فلّاح في الفاو

قناطر: الدعاء رأس مال فلّاح في الفاو

نشر في: 21 نوفمبر, 2018: 06:23 م

 طالب عبد العزيز

أتصل بنا، أحد الاقرباء، ليعلمنا بانَّ المحطة باشرت اليومَ بضح الماءَ حلواً، عذباً، فهُرع كل من في البيت الى حنفية، يفتحها، في سعي محموم منهم، لكأنه من سعي يوم القيامة، وتعالت صيحات، هذا يقول: أي والله، وذاك، يا الله، اللهم لك الحمد والشكر. نعم، ماء حلو لناس لا يملكون إلا الدعاء. لكن، في الحقيقة، لم يكن ماء الحنفية المرجوعذباً، أو الماء الذي انتظرناه، قادما لنا من نهر البدعة، فالبدعة ما زالت بعيدة. كانت السماء رحيمة بمطرها، ليس إلا، فتغير طعم الماء بعض الشيء، خفّت نسبة الملوحة في شط العرب، هذا كل ما في الأمر.
تحدثت الحكومة كثيراً عن حلول عاجلة لأزمة الماء في البصرة، عقب تظاهرات الصيف الماضي، التي اجتاحت المدينة، والتي سقط إثرها الشهداء، واحترقت المباني الحكومية، وكانت على وشك استقدام الشركات الاجنبية مستشَارةً ومنفِذَةً، لكنها، صمتت بعد ذلك، مشغولة بالمكان الجديد الذي ستجلس فيه، واكتفت بدم الشهداء دالة على عجزها وفساد ضميرها، وبالمباني تحترق، بانتظار من سيأتي لإعادة بنائها، لعلمها بان المطر سيحل الأزمة، وستزداد إطلاقات دجلة، وحتى الصيف القادم سيكون غالبية أعضائها خارج المبنى الحكومي، فقد انتهت الدورة الانتخابية هذه، فيا أهل البصرة، سيأتي الله لكم ويحل الأزمة، تلك مسؤوليته.
بين مسؤول فاشل وآخر فاسد ضاعت أموال، وتبددت موازنات، بعضهم يعوّل على الطبيعة وما تجود به، وآخر يرمي بفشله على الحكومة الاتحادية، وسواه يتذرع بالصلاحيات، وهكذا وصمت المدينة بأنها من أسوأ مدن الأرض.
أمس، كنت في الفاو(110 كلم) جنوب البصرة، ورأيت آلاف الفسائل التي هلكت والآلاف من النخل وقد إصفّر عطشاً وملحاً، وحين سألتُ الذين غرسوه قالوا: إنهم بدأوا بغرسه بعد نهاية الحرب مع ايران خاتمة الثمانينات، وأنهم استقدموا لبساتينهم الفسائل من بقاع الدنيا، في مسعى منهم لإعادة الحياة الى الارض، التي دمرتها الحرب، وكانوا فرحين بثمره وينعه وظلاله، لكنهم وفي كل مرة يجتاح الملح أنهارهم، كانوا يتضرعون الى الله ألا يلجئهم الى الحكومة، ولأنهم متروكون هناك في السباخ البعيدة فقد كان الله مستجيباً لتضرعهم، سنة وثانية وثالثة، لكنه تأخر عليهم السنة هذه 2018 فهلك ما هلك من الشجر والخضار، وإصفّر ما إصفّر أو راح يصفرُّ تباعاً من النخل، آخذا طريقه الى الهلاك. ونحن كما ترى.
ما رأيته في قرى الفداغية والدواسر وسيحان والسيبة يوجع القلب والله، حتى القناة الإروائية التي أنفق على شقها وتبطينها المليارات أمست مالحة، أما الشط العظيم فقد تحول الى بركة ملح، تمخر عبابه السفن والمراكب الإيرانية حسب، فموانِئنا لهم وبضائِعنا منهم، إلا الماء فهو مشترك بيننا. قد لا يملك الفلاح الفقير وسيلة أحتجاج، وقد لا يقوى على مواجهة حكومة فاسدة، تمترست بالدين ومرجعيات الفرات الأوسط، فاستولى بعضهم على المساحات الواسعة من الاراضي، وأقاموا القصور والدور مستفيدين من صمت المساكين هؤلاء، الذين لم يملكوا إلا الدعاء والتضرع، لكن الأيام تقول: إنهم لن يفلتوا من قبضة الله. فهو يمهل ولا يهمل، هكذا يجيبني أحدهم، فأقول: الدعاء رأس مال الفلاح المفلس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram