نجم والي
كارلوس رويز زافون هو من مواليد 1964 برشلونة درس في مدرسة لليسوعيين. في بداية حياته عمل في وكالة دعاية، 1993 صدرت روايته الأولى "أمير الضباب"، وحازت على جائزة روايات الفتيان، بعدها بعام 1994 انتقل إلى لوس أنجلس أميركا، ليجرب حظه بكتابة السيناريوهات هناك، لكن أيضاً عمل صحفياً، كما صدرت ثلاث روايات للفتيان، حتى صدور روايته "في ظلال الريح" عام 2001. حتى ذلك العام كان "العظيم" زافون كاتباً مجهولاً ليس فقط في أسبانيا، بل في أوروبا وبقية العالم.
ولكي نعرف ماذا حصل لكي تنجح هذه الرواية وتترجم إلى لغات عديدة وتبيع بالملايين، رغم أنها عند صدورها في اسبانيا ظلت مهملة من النقاد والجمهور، لابد من رواية القصة هي بالشكل التالي:
عام 2003 صدرت الرواية مترجمة للغة الألمانية، وكان ذلك أول عمل يصدر للكاتب بترجمته الالمانية، ولا أعرف إذا كانت الرواية قد صدرت قبلها مترجمة إلى لغات أخرى. كان يُمكن أن تكون حالها حال مئات من الروايات الأجنبية التي تصدر سنوياً في المانيا، لو لم يشر لها ضيف برنامج تلفزيوني مشهور "الرباعي الأدبي"، في القناة الثانية للتلفزيون الألماني زي دي أف (البرنامج فقد بريقه الآن)، كان ما يزال مشهوراً في حينه رغم مغادرة صانع النجوم الناقد الألماني الكبير مارسيل رايش رانيكي له، كانت تديره كاتبة وممثلة ومقدمة برامج محبوبة عند الألمان الكه هايدينرايش (أنهوا عملها لاحقاً)، أما الضيف الذي جاء حاملاً معه كتابه المفضل في البرنامج فكان ولسنوات طويلة الشخصية السياسة المحبوبة رقم واحد حسب استطلاعات الرأي العام في المانيا.
إنه ليس غير وزير الخارجية وزعيم حزب الخضر السابق يوشكا فيشر. والذي روى وهو يشير للكتاب بين يديه، كيف أنه وقبل قراءة كتاب يستشير صاحب مكتبة صغيرة جوار بيته. هذه المرة عنده ثلاثة أيام إجازة فقط، فأي كتاب ينصحه به؟ "ظل الريح"، قال له صاحب المكتبة، ولأن الكتاب بترجمته الألمانية يحوي على 527 صفحة تقريباً، طمأنه المكتبي، بأنه سيقرأ الكتاب بنهم وينتهي منه قبل نهاية الإجازة. هذا ما حصل بالفعل، الكلام لفيشر.
بعد يومين من اللقاء احتل الكتاب ولوقت طويل قائمة البيستسيللر، كما الدومينو، انتقلت العدوى عالمياً، بيستسيللر في اسبانيا، لتلحق ترجمات في بلدان عديدة.
ولأنني أنظر بعين الشك لكل كتاب يصعد بهذه السرعة، أنتظرت بعض الوقت لأقرأ الكتاب.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يشتهر فيها كتاب في العالم بسبب الدعاية له في برنامج "الرباعي الأدبي". 1996 تحول روائي أسباني كان مغموراً أيضاً، إلى نجم بيستسيللير، أنه خابيير مارياس بعد مدح شيخ النقد رايش رانيكي، لتصبح روايته وعلى مدى عام بستسيللر وتترجم إلى أغلب لغات العالم. أيضاً الياباني هاروكي موراكامي صنع نجاحه هذا البرنامج.
إذن لا دخان بلا نار.
غير ذلك: إذا كان الصديق يعتقد أن الرواية أثرت عليّ، فالجواب ببساطة، أبداً، أولاً لأن حسب معاير النقد العالمي، زافون كاتب روايات فتيان، رواياته سهلة تدخل ضمن كتب التسلية، نعم "ظل الريح" فيها قوة أدبية، وصفه لأجواء المقبرة أعجبني خاصة وأنه ثيمة أساسية في رواياتي وقصصي الصادرة سابقاً، في "الحرب في حي الطرب"(1989)، قصة "زهرة سوق الشيوخ" (1996)، تل اللحم (2001) حيث تحتل حيزاً كبيراً، كما في ملائكة الجنوب (2009) لاحقاً.
لقد فوت الكاتب بسهولة الفرصة على نفسه بكتابة رواية أدبية كبيرة، الأمكانيات كانت متاحة لكن زافون "وهو في طريقه إلى الأدب، انعطف قبلها إلى طريق النجاح". أحداث الرواية تحصر شروط ديكتاتورية فرانكو في كواليس واحدة وتستبدل التاريخ والسياسة بالسايكولوجيا. ليس التنوير، بل التشويق كان همّ الكاتب، وهذا ما نجح به. رغم ذلك كان لابد من حذف على الأقل 150 صفحة منه.
للأسف، كتب تشويق مثل هذه لا تصنع مدرسة أدبية عالية بالكتابة يمكن تقليدها من بعد. وهذا ما ينطبق على باول كويلو ودان براون وأمثالهما. هؤلاء كتّاب تسلية ومبيعات بيستسيللر في المقام الأول. لا علاقة لهم بالأدب الجيد.