علاء المفرجي
قال رئيس مهرجان كان السينمائي سابقا جيل جاكوب الذي سلّم برتولوتشي سعفة ذهبية شرفية عن مجمل مسيرته في 2011، "لقد كان آخر أباطرة السينما الإيطالية (...) العيد انتهى، رقص التانغو يتطلب وجود شخصين".
كان التانغو الأخير.. الذي سقط منه راقص آخر.. فقد رحل عن عالمنا المخرج الايطالي برناردو برتولوتشي، تاركا خلفه إرثا سينمائيا ثرياً، وأثرا باقياً في اجيال لاحقة.. كان برتولوتشي يريد أن يصبح على خطى والده الشاعر الإيطالي «أتيليو برتولوتشي»، لكن لقاء مع «بيير باولو بازوليني» الشاعر، والروائي، والمخرج الإيطالي الأكثر جدلاً، تبدل مساره إلى الأبد، فيخبره هذا الأخير أن «السينما قد تكون هي الشعر نفسه». ليس هذا فقط فقد ازداد عشقه للسينما بعد مشاهدته فيلم "لا دولتشه فيتا" لفيديريكو فيليني.. ليكمل والده الشاعر وأستاذ التاريخ والناقد السينمائي، التشجيع والمساعدة بتقديم آلات التصوير السينمائي له عندما كان في سن الخامسة عشرة.
فقرر آنذاك أن يجد لغته «كان علي إذن أن أجد لغتي وكانت لغتي هي السينما».
خمسة عقود في السينما هي الرحلة التي خاضها برتولوتشي منذ فيلمه الأول، وحتى آخر أعماله (أنا وأنت) عام 2012، والذي يعود فيه إلى لغته الايطالية وموضوعاته بعد غياب أكثر من ثلاثين عاماً. وشهدت مسيرته فيلمه المهم (قبل الثورة) الذي كان أشبه بالسيرة الذاتية، أما في السبعينيات التي تعد من السنوات المهمة في إنتاجه السينمائي حيث أسهمت في صياغة مجده السينمائي والتي بدأها بفيلم «الملتزم» عام 1970، وهو الفيلم الذي انحاز اليه نقاد السينما، وهو مأخوذ عن رواية لالبرتو مورافيا.
بعدها فيلمه الأشهر والذي مازال يثير جدلاً كبيرا في الاوساط السينمائية (آخر تانغو في باريس) وأدى في هذا الفيلم الممثل مارلون براندو أحد أهم أدواره. وشاركته الممثلة ماريا شنيدر وروى في السنوات الأخيرة أنها لم تكن على بينة تماماً من مضمون هذه المشاهد الجنسية.
ثم قدم أفلاماً اتسمت بالشاعرية، فكان فيلم (1900) الذي تميز بتكلفته الضخمة والتي وصلت الى 10 ملايين دولار ويعد أطول الأفلام في تاريخ السينما (الى حد 1976) إذ يبلغ زمن الفيلم خمس ساعات و15 دقيقة.. يقول برتولو تشي عن هذا الفيلم:
"حقيقة مر علي زمن اعتقدت فيه أن التناقض يكمن في أساس كل الأشياء، وهذا يفسر ذهابي لإخراج فيلم عن مولد الاشتراكية ممولاً بدولارات أميركية، في هذا الفيلم جمعت بين ممثلي هوليود وفلاحين من «وادي إل بو» لم يسبق لأحد منهم أن شاهد كاميرا من قبل."
وشهدت سنوات الثمانينيات فيلمه الأهم (الامبراطور الأخير) الفائز بتسع جوائز أوسكار منها أفضل إخراج، وأفضل سيناريو مقتبس.
يقول عنه المخرج مارتن سكور سيزي:
"ما زلت أنحني أمام برتولوتشي وأنا أفعل ذلك منذ أول فيلم له «قبل الثورة» عام 1964، ولطالما رغبت بعمل مثل هذا الفيلم وقد فهمت في أكثر من مناسبة بأنني لن أنجح أبداً في مقارنة معه، فأنا دائماً ما قبلت بهذا المخرج بوصفه جزءاً من التراث الكبير للفن الإيطالي."
ويكفي أن برتولوتشي قد صنّف ضمن عمالقة الفن السابع في القرن العشرين، وبرحيله فقد هذا الفن أحد أعمدته الاساسية.