رعد العراقي
يقول مصطفى محمود ( إن لم يشترك الشباب في صنع الحياة فهنالك آخرون سوف يجبرونهم علي الحياة التي يصنعونها ) مقولة تكاد تنطبق على ما تمر به شريحة الشباب العراقي من ضياع فكري وفراغ وظيفي وإنعدام في مجسّات التوجيه وتلمّس طريق المستقبل والمشاركة في صنع الحياة بعد أن غابت السلطة المسؤولة المتمثّلة بوزارة الشباب والرياضة عن أداء دورها الحقيقي في رسم السياسة العامة لإحتواء تلك الشريحة وفتح منافذ رياضية وثقافية واجتماعية تتولى العناية بمواهبهم واندماجهم بالمجتمع وتغذية أفكارهم بالمبادىء والقيم الأصيلة وهو ما سمح للأيدي الخفية وأجندات مشبوهة الى إحداث إنفلات آيديولوجي قاد الى تمزيق نسيج المجتمع وظهور عادات وسلوك هجين قطع كل خيوط التواصل بين الماضي والحاضر بكل إرثه الحضاري والأخلاقي.
قبل أيام وصلتني دعوة كريمة لحضور المهرجان السنوي الثالث من ( كروب - شباب البياع من الزمن الجميل) في موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك الذي تأسس بجهود نخبة خيّرة من أبناء مدينة البياع قبل سنوات وأنبرى في جمع كل الشخصيات التي عاصرت مراحل طويلة منذ أن رأيت المدينة الوجود، ورفدت المجتمع العراقي بنخب من الرياضيين والفنانين والأدباء والتشكيليين والاساتذة في مختلف العلوم ليكون تجمّعاً فريداً بأهدافه وغاياته ينشّط ذاكرة ممن ما زال يعيش في المدينة، بل تعدّاها الى المغتربين الذين رحلوا عنها وتركوا أثراً طيباً.
إن هذا التجمّع يحقّق تواصلاً اجتماعياً واسعاً ويسجّل تاريخاً يروي قصة مدينة بكل تفاصيلها الدقيقة ويقدم لوحة رائعة لحقيقة النسيج الاجتماعي بمختلف تنوعّاته لتكون شهادة ودرساً للاجيال الحالية على عُمق العلاقات الأخوية ولمسات الوفاء التي كانت عنواناً حياً لتفاعل ضمائر وعقول العراقيين.
لم يتوقف الأخوة المؤسسون للكروب عند حدود التواصل عن بُعد، بل انتقلوا نحو إقامة مهرجان سنوي يجمع أخوة الماضي كتقليد أبتدأ منذ ثلاث سنوات يتم فيه تكريم شريحة معينة من الرياضيين القدماء والمتقاعدين وغيرهم. ولأني كنت أحد سكنة تلك المدينة ومن الأسر التي قدّمتْ شهيداً للوطن أخي الملازم سعد رحمه الله حرصتْ لجنة المهرجان على توجيه تلك الدعوة وقد لمستُ حجم المحبة والاستقبال الرائع، والأجمل هو أن إقامة المهرجان تمّ بجهود ذاتية وامكانيات بسيطة لم تعتمد دعم جهات أخرى، بل أنها وضعت منهاجاً لعملها المستقلّ الرافض لأي واجهة سياسية أو حزبية ليكون حاضناً مجتمعياً خالصاً.
صراحة أثار التجمّع هواجس ما تمرّ به الساحة الرياضية من خلافات وتقاطعات وندرة لمسات الوفاء، وبذات الوقت طرح حلاً سحرياً لإعادة ترميم النسيج الرياضي من خلال النهوض بالمستوى الفكري للشباب العراقي عبر ربط قيم الماضي بالحاضر وتوجيه المواقع الاجتماعية لتكون بيئة صالحة لاستنهاض وسائل التواصل الصحيحة والهادفة بدل أن تكون محطّات تسقيط وكراهية وتعميق للخلافات.
فرصة أراها لا تقدر بثمن ستكون متاحة أمام وزير الشباب والرياضة الدكتور أحمد العبيدي الذي مرّ بمرحلة عصيبة عند استيزاره ووجّهت له تهماً كان جزءاً منها نتيجة الضبابية الفكرية وتأثيرها على الجيل الحالي في الوقوف على الحقائق ساهم فها أيضاً سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتكون تجربة (تجمع البياع) هي إحدى مشاريع التغيير الفعلي لأهداف الوزارة في زرع القيم الأصيلة وتوجيه بوصلة العلاقات نحو التآخي والمحبة والوفاء.
أمام الوزير مسؤولية الأرتقاء بالشباب الذين يعانون اليوم من إنفلات مجتمعي فرضته الظروف القاسية التي مرّ بها البلد، وقد تكون فكرة إنشاء لجان خاصة تتولى دعم وتشجيع تلك المبادرات مادياً ومعنوياً لمختلف مناطق العراق إضافة الى تحشيد الإعلام في الدفع باتجاه تسخير مواقع التواصل الاجتماعي لإنشاء ملتقيات شبابية تحتضن أبناء المُدن العراقية برؤية جديدة مبنية على الاحترام وزرع أسس العلاقات الأخوية الصحيحة ما يهيئ أجواء مجتمعية تنهض بمستوى التصرّف الفكري للجيل الحالي بعد أن يقتدي بقيم السلف الصالح.