علاء المفرجي
كتاب آخر اقترحه لأصدقائي صناع السينما في العراق، وكتابنا هذا يصنف لأول وهلة ضمن أدب السجون لكن مَنْ يقرؤه سيعرف إنه تجاوز في موضوعه قضية الاعتقال، الى موضوعات أخرى. والكتاب يتناول فترة من الزمن العراقي مشحونة بالأحداث والتفاصيل ، انه كتاب الشاعر عبد الزهرة زكي (واقف في الظلام.. كتاب عن الآلام والأحلام)، الذي يتحدث فيه عن العذاب والتنكيل بالنفس البشرية بأقسى أنواع الألم، عن نظام لم يوفر وسيلة جهنمية واحدة في القمع واستلاب الانسان، عن هذا الزمن الذي عانى فيه العراقيون الأمرين من حملات قمع جسدي وفكري .
مثلما هي أمنية ايزنشتاين، كان اندريه تاركوفسكي معجباً براوية (لعبة الكريات الزجاجية) لهيرمان هيسه.. وبالتاكيد كان قد وضعها كمشروع لأفلمتها يوماً، هذه الرواية التي تعج بالغموض الذي يحيطها، والذي يتجول فيها هيسه في دروب الموسيقى والرياضيات وعجائب العلوم ، وأيضاً بدروب الحكمة الشرقية.. هذه الرواية التي كرس لها تاركوفسكي أعماله السينمائية السبعة التي وضع بها شاعريته وفلسفته.
وتعجب اذن بالطريقة التي فكر بها تاركوفسكي لمعالجة موضوع الرواية وتحويلها الى السينما، مع هذا الكم الذي احتشد في الرواية
من الأفكار، ومثلما نتوقعها من المشتغلين في صناعة السينما في العراق مع كتاب مثل (الواقف في الظلام) الذي قال عنه زكي في مقدمته: "لم أشغل نفسي كثيراً بتجنيس الكتاب والطبيعة المتحكمة بكتابته. لقد سعيت الى انجازه بالافادة من حريتي بأقصى طاقة ممكنة، حرية التصرف بالمعلومات والأفكار والتصورات من جانب وحرية التمنع على أي تقييد فني أو تعبيري أو اسلوبي من جانب اخر).
فأدب السجون؛ هو نوع من أنواع الأدب معني بتصوير الحياة خلف القضبان، يناقش الظلم الذي يتعرض له السجناء، والأسباب التي أودت بهم إلى السجن، حيث يقوم السجناء أنفسهم بتدوين يومياتهم وتوثيق كل ما مرّوا به من أحداث بشعة داخل السجن ..
لكن عبد الزهرة زكي – وهو الشاعر - خرج في التعبير عن النفس والمشاعر في أبهى وأصدق صوره ، ليقدم توثيقاً تاريخياً لمعاناة السجناء والمعتقلين نتيجة الاساليب الحيوانية التي اتبعها السجانون للسيطرة على السجناء ونزع الاعترافات منهم قسرياً حتى لو لم توجد جريمة يُدانون بها فعلياً.
ففي رحلة مع المعتقَل منذ لحظة اعتقاله إلى دخوله لقسم الشرطة واستجوابه ومحاكمته وصولًا باللحظات الأولى في الزنزانة ولحظات انتظاره القاسية.. ينقل ذلك بشكل أقرب الى السينما ..
لكننا في كتاب (واقف في الظلام) لسنا أمام توثيق لأيام السجن وممارسات السجانين اللا إنسانية في انتزاع (الاعتراف) فقط.. بل أمام سيرة ذاتية للمؤلف، وسيرة مجتمع ، وسيرة الواقع الثقافي أيضاً .. بتحولاته الكبيرة التي تعصف بها أزمة غير مسبوقة.. هيمنة مطلقة للسلطة على المؤسسات الثقافية وتسخيرها لخدمة أغراضها، هجرة مجموعة كبيرة وبارزة من المثقفين، الحط من قيمة المثقف ونتاجه، تهميش دور الجامعات، عزل الثقافة والمثقفين عن تأثيرات الثقافة في العالم، وغيرها.
كل ذلك سيجده صانع الفيلم في كتاب (واقف في الظلام)، وعلى كثرة مايتضمنه هذا الكتاب من أفكار، سيجد أن المؤلف سهّل له هذه المهمة.. فعلى خلفية الاعتقال التي أسهب المؤلف في الحديث عن تفاصيلها في الكتاب، ستكون ثمة خطوط أخرى تصلح للمعالجة.