TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: الرأسمالية وأزماتها الدورية

قناديل: الرأسمالية وأزماتها الدورية

نشر في: 8 ديسمبر, 2018: 06:33 م

 لطفية الدليمي

لطالما قرأنا كتباٌ تتصدى لفكرة ( موت الرأسمالية ) ومن بين هذه الكتب كتاب ( الرأسمالية تجدّد نفسها ) من تأليف الدكتور ( فؤاد مرسي ) .يمتاز هذا الكتاب بكونه دراسة مسحية معمقة لبدايات الرأسمالية وآثارها ومفاعيلها في حضارتنا الراهنة وقدرتها الفائقة على الإرتقاء بالرفاهية عبر تصنيع أسباب الترف المادي وتوفيرالمتع ووسائل البذخ اللامحدودة . يبتعد كتاب الدكتور فؤاد مرسي برصانته عن الشعبويات السائدة التي أشاعتها أحزاب اليسار الجديد بطريقة تُعلي من شأن الخطاب الآيديولوجي على حساب الحقائق الراسخة على أرض الواقع . فنقرأ في هذا الكتاب –على سبيل المثال - فصلاً عن ( الأزمات الدورية في الرأسمالية المعاصرة ) و نعرف منه بما لايقبل اللبس أنّ هذه الأزمات الدورية ليست أعراضاً سريرية منذرة باقتراب الموت بقدر ماهي ملامح ملازمة لطبيعة آليات إشتغال الرأسمالية . لاأظن أنّ عبارة ( موت الرأسمالية ) قد وهنت نبرتها يوماً خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضيات ، تأتي هذه النبرة في العادة بهيئة نذير يحمل نبوءة كمثل النبوءات الدينية حيث لايكون الفناء محض تلاشٍ فيزيائي لحالة واستبدالها بحالة أخرى بل يكون فناءَ عاما للبشرية مقترناً بحطام شامل وكامل لايُبقي شيئاً من معالم الحياة الإنسانية على وجه كوكب الأرض..
ليس الترويج لفكرة شعبوية عن موت الرأسمالية سوى فكرٍ رغائبي يتمنى أصحابه رؤية القلاع الرأسمالية تتهاوى مثلما تهاوت قبلها قلاع النظام الاشتراكي ، ولا ننسى في هذا السياق أن الشيوعية ذاتها تعرّضت لذات الهجمة النبوئية المنذرة بموت الشيوعية ( روايات أورويل مثالاً ) ، ثمّ تحققت هذه النبوءة بتهاوي الحصون التي كانت تمثل التجربة الاشتراكية نتيجة ظروف متضافرة كثيرة داخلية وخارجية أدت إلى انهيار المنظومة بكاملها.
هناك الكثير ممّا ينبغي التوقف عنده والتفكّر فيه : قد نتفق على سقوط الشيوعية كتطبيقات ؛ لكن الفكر الماركسي الذي يشكل الأرضية الآيديولوجية للدول الاشتراكية لايزال حياً، ولاتزال الأدبيات الماركسية تلقى رواجاً كبيرا في أنحاء عالمنا إلى الحدّ الذي باتت تصدر بشأنه دراسات حديثة كثيرة عن أمّهات الجامعات في البلدان الرأسمالية ذاتها. إذن ثمة فارق كبير بين جوهر الأفكار وبين تطبيقاتها والمؤسسات ( ومنها الحكومات ) القائمة على تلك التطبيقات ، والأمر يصحّ على الرأسمالية بقدر مايصحّ على الماركسية .
نعلم أنّ الرأسمالية ليست رأسمالية واحدة بل هي رأسماليات عدّة ؛ فالرأسمالية الأمريكية الأصولية المحكومة بغول الفردانية الجامحة هي غير الرأسمالية الألمانية أو الإسكندنافية المُرشّدة بموجّهات الديمقراطية الإجتماعية ، وهذه غير الرأسمالية اليابانية المحكومة باعتبارات التقاليد اليابانية الصارمة، ولعلّ المثال الأكثر تطرفاً بين الرأسماليات المعاصرة هو نموذج الرأسمالية الصينية التي تجاوزت التلازم القسري بين الليبرالية السياسية والإقتصاد الحرّ ونجحت في توظيف الآليات الرأسمالية بمعزل عن إسقاطاتها السياسية وأحرزت إنعطافات ثورية طبقاً لقاعدة الرئيس دينغ زياو بنغ القائلة ( ليس المهمّ أن يكون القطّ أبيضَ أو أسودَ بل مايهمّنا فيه أن يصيد الفئران !! ) ؛ فهل ستموت هذه الرأسماليات كلها دفعة واحدة ؟ وإذا ماماتت بعضها فأيها ستموت قبل الأخريات؟
من الطبيعي أن تتعالى الأصوات المنادية بموت الرأسمالية عند كلّ أزمة تمر بها ؛ إنما علينا أن نتذكر أمراً : إن ليس كلّ الرأسماليين أشراراً ، فبينهم أشخاص تعاملوا مع المال بنبل في سبيل القضايا الانسانية وخدمة التعليم قلما إرتقى إلى صنيعهم دعاة موت الرأسمالية ومثالنا الأقرب بيل غيتس الذي ستخلد مآثره أكثر من أي صراع أيديولوجي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram