adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
أهل البصرة تنتابهم هذه الأيام سورة غضب جديدة، يمكن لها من دون كثير عناء أن تتحوّل إلى حركة احتجاجية ساخطة كبيرة كالتي شهدتها في الصيف الأخير المحافظة البائسة، لكنْ فاحشة الغنى بثروتها النفطية والثروة الأخرى المفترض أن تتحصّل عليها من موانئها ومراكزها الجمركية الكثيرة، البحرية والبرية والجوية.
الغضب البصري الراهن مردّه الى أن القسم الأعظم من الوعود التي أطلقتها لهم حكومتهم المحلية والحكومة الاتحادية والبرلمان السابق والبرلمان الحالي لم يكن سوى هواء في شبك للضحك على الذقون.
وكما في احتجاجات الصيف يمكن أن تنتقل عدوى الثورة البصرية الجديدة الى محافظات أخرى عدة، فحال البؤس عامة شاملة في البلاد العراقية، والعلقم الذي يتجرّعه البصريون على مدار الساعة له مثيل في حلوق الغالبية العظمى من العراقيين.
الواضح أن الحكومة المحلية في البصرة والحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي في بغداد ليس في مقدورهم تلبية احتياجات البصرة وغيرها من المحافظات. حلّ مشاكل البصرة وسواها يتطلّب قرارات سياسية وإدارية ومالية حازمة وحاسمة، وما مِن أحد من السلطات المذكورة أعلاه لديها العزم والإرادة لاتخاذ قرارات من هذا النوع تدخل في صلب عملية الإصلاح السياسي والإداري الذي تتطلّع إليه غالبية العراقيين منذ سنوات عدة، وكان في مقدم مطالب الحركات الاحتجاجية المتتابعة منذ 2010.
أفضل ما يُمكن أن تقدمه الحكومة المحلية ومجلس المحافظة في البصرة والحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي للبصريين الغاضبين الثائرين، ولسواهم من أهالي المحافظات الأخرى وعموم العراقيين، أن تكون صريحة وشفّافة بالقول إنها غير قادرة على المدى المنظور تحقيق مطالبهم التي طالما وُصفت بالعادلة والمُحقّة والدستورية.
المطالب العادلة والمحقّة والدستورية لأهل البصرة وسائر العراقيين تتطلّب تخصيصات مالية بعشرات مليارات الدولارات سنوياً، وهذا أمر غير قابل للتحقّق، فالفاسدون والمفسدون نهبوا مئات المليارات على مدى السنين الخمس عشرة الماضية ولم يتركوا شيئاً لمشاريع الكهرباء والماء والصحة والتعليم والنقل والطرق والجسوروالري والسكن والصرف الصحي والزراعة والصناعة، والأنكى أن الفاسدين والمفسدين ما انفكوا حتى اليوم يواصلون "هوايتهم" الأثيرة في نهب المال العام، وما من رقيب ولا حسيب.
عدم الاعتراف الصريح بهذه الحقيقة، وهو ما تلتزمه الحكومة الحالية وقبلها الحكومات السابقة، لن يكون منتجاً أو مثمراً.. الرهان على الوقت غير مجدٍ. ها هي أسعار سلعتنا الوحيدة المتبقية، النفط، تهوي بحدّة وبشدّة، ومن المؤكد أننا سنواجه أياماً لن يكون في استطاعة عائدات النفط تأمين بند التشغيلية في الموازنة السنوية ناهيكم عن بند الاستثمارية الذي ظلّ على الدوام معطّلاً بفعل الفاسدين والمفسدين.
الأشهر القادمة تنذر بأخطار حقيقية على هذا الصعيد، وما لم تكن للسلطة الحاكمة قرارات حازمة وحاسمة لتلبية مطالب الناس في البصرة وغيرها يُمكن أن نكون مقبلين على أيام فوضى غير خلّاقة. الخطوة الأولى اللازمة هي مكافحة الفساد الإداري والمالي بقرارات عاجلة، حاسمة وحازمة.. الأرجح ان هذا لن يحصل، فلم تظهر حتى الآن أي اشارة على أن الحكومة الجديدة، غير المكتملة، تضع هذا الأمر في سلم أولوياتها!