إياد الصالحي
العدل أساس استقرار العمل، مهما أختلفت درجة أهميته والدائرة التي يطبّق فيها، فالاحساس البشري بالظلم يفوق مستوى التحمّل ويدفعه للتمرّد والانفعال وربما يدخله في أزمة تنعكس على محيطيه ما لم ينل حقوقه كاملة، لكي يواصل الإبداع والانسجام دون ملل أو يأس لمجابهة ظروف الحياة ومنغصاتها المرّة.
وعطفاً على صورة الحياة الكبرى، لفتت انتباهنا صورة مصغّرة لعائلة حكام كرة القدم التي استبشرت خيراً بتولي د.صباح قاسم رئاسة لجنة الحكام في اتحاد اللعبة مطلع تشرين الأول الماضي خلفاً لطارق أحمد الذي قدّم استقالته بعد قيادة اللجنة منذ عام 2001 حتى تدهورت صحته إثر اجهاد قلبه وخضوعه لمشرط الجراح في عملية تكللت بالنجاح وأخذ بالتعافي التدريجي منها.
بشائر الخير لا تعني عقد مقارنة معكوسة مع واقع اللجنة تحت قيادة طارق أحمد الذي اجتهد فأخطأ وأصاب، وأثمرت سياسة لجنته عن وضع أقدام حكام شباب بقوة على أديم ملاعب العرب وآسيا، إنما بشائر الخير صادفت اختيار الحكمين الدوليين مهند قاسم وعلي صباح ضمن قائمة الحكام الثلاثين الذين يديرون مباريات كأس آسيا 2019 في الإمارات كانون الثاني المقبل، إضافة الى الحكم المساعد حيدر عبدالحسين ضمن قائمة الاحتياط، وهو سبق ومُنجز أول لكرتنا على صعيد (حكم الساحة) ما بعد 2003 حيث عانت اللعبة الكثير على صعيد ظُلم حكّامنا انفسهم في الواجبات الدولية على مستوى بطولة آسيا والمونديال.
إن اختيار مهند وعلي يحمّل رئيس لجنة الحكام وزملائه مسؤولية مضاعفة للارتقاء بمستوى التحكيم أعلى من نخبة آسيا، أي لابد أن ينحصر طموحنا الوصول الى المونديال 2022 أو 2026، وهنا تنبري كلمات التفاؤل التي صاغها خبير التحكيم الدولي حازم الشيخلي يوم الاثنين 22 كانون الأول 2014 في صحيفة المدى بقوله:"إن مبدأ التدرّج وستراتيجية الوصول إلى مراحل متقدمة تخدم الحكم العراقي أسوة بالحكام العرب والآسيويين، وهذا ما تم العمل به مع مهند قاسم الذي أتوقّع له شأناً في عالم الصفارة، وهي بداية لعهد جديد لابد أن يصاحبه متغيّر إيجابي على صعيد إدارة الحكام، فقد اُنيطت به مهمة تحكيم نهائي كأس آسيا للناشئين ودورة الخليج 22، وعليه قبل الوصول إلى أمم آسيا لابد أن يتخطى مرحلة الشباب والأولمبي حيث من المؤمل أن ينجح قاسم مع هاتين الفئتين قبيل تسنّمه مهاماً كبرى في أمم آسيا والمونديال إن شاء الله".
صدقتْ رؤية الشيخلي، وهاهو مهند يرافق علي الى معركة آسيا الشرسة لإثبات استحقاق الصفارة العراقية للحضور في البطولة الأولى قارياً، وليس صعباً أن يلحقهما واثق محمد ويوسف سعيد وزيد ثامر ومحمد سلمان، الذين تم اعتمادهم دولياً مؤخراً إذا ما أجتهد د.صباح قاسم في رسم خط الوصول الى قمم الواجبات في بطولات آسيا والعالم، فالتعاون المُبهر والبرمجة العلمية الناجعة والشخصية القيادية الجديدة التي فاجأنا بها سوّرتْ لجنة الحكام بجدار ثقة عازل عن أية ضغوط من داخل الاتحاد وخارجه.
للمرة الأولى نستشعر أن لجنة الحكام التابعة لاتحاد الكرة مستقلة عن تبعات الاتحاد نفسه، وهذا ما تجسّد في الرد الصريح لرئيسها ضد تشكّي عضو الاتحاد كامل زغير تلفازياً بقوله أن "فريق الحسين يدفع ثمن أخطاء التحكيم في منافسات الدوري وعدم قدرته على الاعتراض أو النقد كونه رئيساً للنادي" فأوجز صباح موقف اللجنة بـ" لن نسمح بتدخّل أحد في مهمة حكامنا، وإذا استمرّ الضغط بهذه الطريقة سنضع أوراق الاستقالة على طاولة الاتحاد ونمضي جميعاً"! وهي رسالة بحدِّ ذاتها لأعضاء الاتحاد بوجوب الانفصال عن واجباتهم في الأندية إذا ما أرادوا ترسيخ مبدأ العدل والحياد في دورتهم.
وفي الوقت الذي نبارك للجنة الحكام تدشين سنين عملها حتى تشرين الأول 2022 وحرصها على توزيع واجبات الطواقم في الدوري بلا اعتراض وتقليل أخطاء الحكام في دورة أو معسكر خارجي خلال فترة توقف المسابقة، فإن اللجنة مطالبة بمأسسة رابطة الحكام من جديد بعد أن ترأسها طارق أحمد "صورياً" في 28 آب 2017 بطريقة التزكية خلافاً للنظام الانتخابي، وهي واحدة من خروق انتخابات الاتحاد في 31 أيار الماضي كون "طارق" أدلى بصوتٍ غير شرعي، ويمكن تسوية ذلك باستقالة طوعية تتماهى مع ظرفه الصحّي حفاظأً على مصلحة الرابطة وتنشيط دورها الذي خبا طويلاً ولم يفعّل حتى في أشدّ الأزمات!