لطفية الدليمي
يكاد برنامج المسابقات الغنائي المسمّى ( آراب آيدول ) - وسواه من المسابقات الغنائية - أن يرتقي لمصاف الطقس السنوي الأكثر بذخاً وإنفاقاً للأموال : إعلام على أوسع نطاق ، نجوم قائمون على لجنة الإختيار يتغيرون كلّ موسم بعد مضاعفة أجورهم ، فضائح وتلاسنات كلامية بين النجوم صارت أقرب للهوس الذهاني الذي تطرب له وسائل الميديا الفضائحية. شخصيا لايعنيني هذا البرنامج أو سواه في شيء باستثناء تأثيراته الثقافية ذات المفاعيل السلبية في بيئتنا العربية .
سيقال إنّ هذا البرنامج يماثل برامج غربية ( إلى حدّ التماهي في العنوان والتفاصيل الصغيرة ) ، وهذا صحيح ؛ لكنّ الإعلام الغربي له خصوصيته لوجود وسائل عديدة يمكن من خلالها تصريف قدرات الشباب في كلّ الميادين (وليست الغنائية حصراً) ؛ فهناك المنح الدراسية في الجامعات، والجوائز القطاعية في المجالات المختلفة، وبهذا لن تصبح برامج المسابقات الغنائية التي تكرس التنافس المضني وتركّزالنجومية المجتمعية هي الوحيدة التي تستقطب عقول الشباب واهتماماتهم، ولاننسى أنّ برامج الحماية الإجتماعية في الغرب توفّر شكلاً من الحصانة في أقلّ تقدير تكفي لاعتماد المرء على إمكاناته الطبيعية والصبرعلى تطويرها في مساراتها المتاحة .
أما في بيئتنا العربية فالأمر مختلف تماماً ؛ إذ صار أمر هذه المسابقات أقرب إلى مفاتيح كفيلة بفتح كنوزالحظ التي ستكفل للفائزين نجومية وثروة وشهرة يراق من أجلها الكثير من الكرامة الشخصية وتُكرس بعض مظاهر السخف والتجهيل والاستعراض الفج لمظاهر الثراء واعتبارها امتيازاً شخصياً للفنانات والفنانين.
ترى ماالذي سيشعر به طالب جامعة متفوق في الرياضيات أو الفيزياء أو الهندسة - بكلّ فروعها - من إحباط عندما يرى مثل هذه البرامج التي تُسفح فيها ملايين الدولارات ويجري فيها استعراض جواهر باذخة تتزين بها الفنانات ؟ ؛ سيشعر حتما بالغبن واللاعدالة والإحباط ، هو الذي تخرج وحصل على أعلى التقديرات العلمية ثم فشل في الحصول على وظيفة توفّر له بعض الدخل الذي يحفظ كرامته ويساعده في مواصلة جهده العلمي وتطويره في المستقبل لخدمة بلده.
هناك مسألة أخرى لها أهميتها في هذا الشأن : تركّز برامج المسابقات هذه شعوراً لدى المتلقين ( الشباب بخاصة ) بأنّ الجهد المنظّم والانضباط لن يأتي بنتيجة طيبة يمكن أن توازي ولو في جزء منها ماتفعله تلك المسابقات التي تفتح أبواب القدر أمام الفائز؛ وسيحصل نوعٌ من الانكفاء النفسي يرافقه التعويل على الأمور الغيبية للحصول على الثراء والشهرة بدل الإرتكان إلى الجهد العلمي المنظّم.
نعلم أن الفنون الراقية كالموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والسينما تسهم في الإرتقاء بحياة الشعوب وتنمية الذائقة الجمالية للفرد، غير أن هذه المسابقات ومايصاحبها من اللغط الإعلامي والمشاحنات وفجاجة التعامل، تعجزعن أداء هذه المهمة ولاتحقق سوى الترفيه العابر والأرباح المالية الهائلة لشبكات الاتصالات في سلسلة المصالح المتداخلة بين المؤسسات المستفيدة.
لست أدعو لتشكيل ( لوبي ) ضاغط لإلغاء مثل تلك البرامج ؛ فهذا ليس شأني ، وكلّ ما أرجوه هو ضرورة إطلاق برامج موازية تسعى للكشف عن ( آراب أيدول ) في الرياضيات أو الفيزياء أو الهندسة -فوجود برنامج ( نجوم العلوم ) المخصص للابتكارات العلمية - لايكفي لاستيعاب الشباب العربي الطموح - وحتى ذلك الحين سيكون على متابعي هذه البرامج كل عام تجرّع الكثير من النزق وانعدام الكياسة وستحلق جموع جديدة من الشباب في أحلام جنة (آراب آيدول) الخادعة.