طالب عبد العزيز
واحدة من أتعس ما افرزته آلية (التداول السلمي) للحكم في العراق أن الاحزاب الدينية التي تحتكر السلطة منذ العام 2003 الى اليوم تأتي بالنكرات وأشباه الرجال الى دوائر القرار في بغداد والمحافظات وتعمل على تربيتهم وتسمينهم ومن ثم تمكينهم ولمّا يكونوا شيئاً من قبل، لكنَّ القليل منهم هو الذي يبقى طيعاً، خادماً لها، إذ أنه سيغادرها ما أن يشعر بأن الحزب هذا ضعفت قبضته أو انتهت صلاحيته في الشارع، ومن يتفحص سير بعض أعضاء المسؤولين في البصرة سيجد التقلبات والقفزات القردية والخفاشية أيضاً في أجلى صورها.
لم يجف بعد دم شهداء التظاهرات التي اندلعت في تموز الماضي وما زال الدخان الأسود يتصاعد من المبنى الحكومي الذي احترق بالكامل، وما زالت المدينة تعاني من جملة مشاكل لا أول لها ولا أخير، لكن مجلسها يصر وبكل صفاقة على انه مازال الوحيد القادر على الإدارة، وهو يعلم والبصرة بملايينها الثلاثة يعلمون وبغداد والنجف وكربلاء كلهم يعلمون بأن الخلافات المزمنة بين أعضاء المجلس لن تحل، وإن إصرار نائب رئيس المجلس الحالي على البقاء في منصبه واحد من أعقد العقد، وأن المجلس بيمينه وشماله لم ولن يتفق يوماً واحداً على العمل من أجل انقاذ المدينة، وأن مصالح الكتل وممثليها هي مشروعهم الأهم والاول، ولتذهب البصرة ومن فيها الى الجحيم، وإلا ماذا يعني الاتفاق الاخير الذي تم بين تيار الحكمة وسائرون على تقاسم منصبي المحافظ ورئيس المجلس؟
بعد سجن رئيس المجلس السابق صباح البزوني(الدعوة) بتعاطي الرشا، وبعد هروب ماجد النصراوي(تيار الحكمة) المحافظ السابق إثر فضيحة الاختلاس، ذائعة الصيت مع اللبناني حسن فران وممثل الحكيم في البصرة قصي محبوبة، بحسب التسجيلات الصوتية التي تسربت الى مواقع التواصل الاجتماعي جيئ بالمحافظ الحالي أسعد العيداني كمنقذ، مثل أي إجراء سياسي، غير محسوم النتائج، فهو رجل لا يختلف عن غيره، من الذين يؤتى بهم في الوقت غير المناسب لملء فراغ ما في مفصل ما، وما كان الرجل ليحظى باتفاق الجميع لولا خلافات الجميع أنفسهم، كما أن واقع الحال كان يفرض هذا النوع من القبول، ولأنَّ منصب المحافظ هو بالاساس من حصة الحكمة، فقد ظلت عينا عمار الحكيم تتابعه، وفي لحظة بصرية خالصة بدا للحكيم أن العيداني خرج عن طاعته، ولم يعد يلبي طموح الحكمة، فعقد النية على إقصائه، وما حدث اليوم هو جزء من السعي ذاك. ليست البصرة وأهلها طموحاً تطويريا لأحد من هؤلاء، إنما هي مشروع استثماري وكيس مال يتصارع عليه كل مالك للقرار في بغداد والنجف.
أمس، أبطل الشباب البصري اجتماع تقاسم المناصب، الذي انعقد داخل المجلس والذي تخلف عن الحضور فيه عدد آخر، بدا إنهم خارج أطراف الصراع، وهم يعلمون علم اليقين أن أحداث تموز 2018 قلبت المعادلة، وأن جمهور البصرة، الذين خرجوا للتظاهر أو الذين لم يخرجوا لن يقبلوا بالعودة الى ما قبل الأحداث تلك، هناك زمن جديد ووعي جديد وعراق جديد يتطلع العراقيون فيه لما يحدث في البصرة بعين باتت تبصر أبعد ما تخطط وتتصارع من أجله كتل الخراب.