adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
في البلاد الديمقراطية التي يُحشر اسم العراق في قائمتها ظلماً وعدواناً، درجت العادة على أن يُعطي الرأي العام والمؤسسات المعبّرة عنه ( الإعلام الحرّ خصوصاً) الهيئات المنتخبة حديثاً (البرلمان والحكومة وسواهما ) مئة يوم للتوثق مما إذا كانت الهيئة قد وضعت نفسها على الطريق الذي وعدت الناس بها وعلى أساسها حظيت بأغلبية الأصوات.
يحدث هذا بتفحّص القرارات والإجراءات المتخذة والقوانين اللازمة لها على مدى المئة يوم، وفي ضوء ذلك يُقال إنّ المؤشرات الأولى تفيد بأنّ الهيئة المنتخبة جادّة في الوفاء بوعودها وتعهداتها، أو أنها ليست كذلك. ولا يتردَد الرأي العام ووسائل التعبير عنه عن توجيه أشدّ الانتقاد لزعماء الهيئة ووصمهم بالتضليل والكذب والنفاق.
الأربعاء الماضي صار عمر برلماننا الجديد مئة يوم بالتمام والكمال، فما حصيلة هذه المدة التي يمكن فيها تشريع عشرات القوانين واتخاذ عشرات القرارات والإجراءات الماسّة الحاجة لها منذ سنوات ومن أجلها جرى انتخاب النواب ليكونوا ممثلي الناخبين الذين يسعون لتلبية احتياجاتهم، بتشريع القوانين اللازمة ومراقبة عمل السلطة التنفيذية المتوجّب عليها تنفيذ القوانين المشرّعة.
ما الذي حصل عندنا في المئة يوم؟ وما الذي فعله مجلس النواب الذي تميّز في دورته الحالية بعلوّ أصوات رئاسته والعديد من أعضائه والضيق الشديد بالنقد الموجّه لهم ولمجلسهم؟
من أول ملامح فشل هذا المجلس أنه حتى الآن لم ينجح في تشكيل لجانه المختصة التي لها الدور الحاسم في اقتراح مشاريع القوانين وتدقيق المشاريع والمقترحات القادمة من السلطة التنفيذية.
السبب في هذا الفشل هو الصراع بين القوى والأشخاص على رئاسات اللجان، وبخاصة تلك التي على صلة ببرامج مكافحة الفساد الإداري والمالي وبالمشاريع الاستثمارية ومشاريع إعادة الإعمار( فاسدون معروفون حرصوا على عضوية لجنة النزاهة واللجنة القانونية واللجنة المالية ، لجنة الاقتصاد والاستثمار، لجنة العلاقات الخارجية، لجنة الأمن والدفاع، لجنة النفط والطاقة والثروات،لجنة الخدمات والإعمار، وسواها مما يؤمل منها تحقيق مطامح ومطامع حزبية وشخصية، وبخاصة على صعيد العقود والصفقات وتأمين مناصب ووظائف عليا للأقارب والمحازبين، كما كان يجري في الدورات البرلمانية السابقة جميعاً.
هذه الدورة البرلمانية بالذات التي لم يكن الكثير من الناس يأملون خيراً منها، بدليل مقاطعة أغلبية الناخبين لعملية انتخابها، بررت حتى الآن خيبة الأمل الابتدائية حيالها، فبعد مئة يوم لم نسمع أنّ هذه الدورة قد وضعت تعديل الدستور المؤجل من أكثر من عشر سنوات في جدول الأعمال، وكذا الحال بالنسبة للقوانين الأساسية، قوانين بناء الدولة، المؤجلة هي الأخرى كلّ هذه المدة الطويلة.
" الإنجاز" الكبير الوحيد الذي حققته هذه الدورة أنها أمَنت للأعضاء الجدد رواتب وامتيازات عالية، بقرار صدر عن رئيس المجلس في الأيام الأولى من هذه المئة يوم، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً استنكره الرئيس! ، كما لو أنّ الذين انتخبوا أعضاء المجلس الجديد إنما أخذتهم الرأفة بأعضاء هذه الدورة ليأمنوا الحياة الرخيّة لهم ويتركوا سائر العراقيين للفقر والجوع والبطالة والمرض ونقص الخدمات العامة وشرب المياه المشبّعة بالملح والملوّثة بالفضلات وبالسمك المسموم.
الكتاب يُعرف من عنوانه.. وعنوان كتاب الدورة البرلمانية الحالية يعطي الانطباع بأنها ستكون الأسوأ منذ 2006، على سوء الدورات السابقة كلّها.