TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > البغداديون قديماً .. اكلك منافع ياكبر

البغداديون قديماً .. اكلك منافع ياكبر

نشر في: 25 إبريل, 2010: 05:29 م

البغداديون في مجالس الانس والغناء –المقام العراقي  الذي كان يغني بالمقاهي ومزارع الباقلاء –كيف كانوا يستعيضون عن العنصر النسائي بـ (الشعارين) ومتى دخل هذا العنصر حياة بغداد؟ ولعل خير ما ينير لنا السبيل الى تفهم الحالة الاجتماعية التي كانت تسود ذلك العهد هو الوقوف مليا عند مجالس الانس والطرب، فقد عرف البغداديون القدماء بجنوحهم الشديد نحو الطرب وتذوقهم للغناء ولاشك انهم قد توارثوا ذلك عن اسلافهم منذ قديم الزمن.
 كانت بغداد قبل اربعين عاما خالية من ملاهي الطرب التي نرتادها اليوم فنمتع انفسنا بالسماع الى ما تغنيه المغنيات ومشاهدة الراقصات وهن يؤدين رقصاتهن بابداع او بغير ابداع، ولكن اسلافنا لم يتيسر لهم ذلك، لان الطابع الديني هو الذي كان يصبغ الحياة الاجتماعية ، فلا مجال الى اقامة الملاهي أو (الكباريهات ويقول صديقنا الاستاذ عبد الكريم العلاف في كتابه (بغداد القيدة ان ليالي الانس والطرب كانت تحيا على ضفاف نهر دجلة او في الزوارق حيث يلتئم عقد الاصحاب والخلان ليتنادموا فيما بينهم ومن اشهر الارباض التي تعشقها البغداديون القدماء "الكلوريه" ومكانهم معروف اليوم في كردة مريم، و(الجزيرة) وما فتئت هذه الجزيرة منتجعا للبغداديين اليوم، يؤمها الشباب والفتيات للسباحة واقامة (الجراديغ) على ضفافها ، فهي بحق مصيف طبيعي طيب، ثم مزارع الباقلاء على طريق الاعظمية، فقد كان يرتادها بموسمها عشاق اللهو والمتعودون على احتساء الخمر ذلك لان بغداد في ذلك العهد لم تعرف سبيل (الحانات) فكان الخمارون يتناولونها قبل موسم الباقلاء في بعض البيوت اليهودية او المسيحية في محلتي ابي سيفين وسوق الغزل وهي على كل حال مرطبة ومظلمة ومفسدة، للذوق فاذا ما ازدهرت اغصان الباقلاء خفوا اليها خفا وانتشروا في جوانبها ، وادق وصف يمكن ان نذكره على ذلك ما جاء في (البسته) البغدادية الشهيرة. (فتح ورد الباجلة... يبزى كدر ومذله) ويعني ذلك ان طلاب الأنس في تلك البيوت المظلمة المرطبة هو عبث وفيه تكدير للصفو واذلال للنفس ودعوة صريحة الى انتهاز فرصة الربيع والانتجاع في مزارع الباقلاء، وهكذا عرف البغداديون مجالس الانس والطرب. واذا كانت بغداد لم تعرف في ذلك العهد حياة الملاهي والكباريهات فأنها لم تعدم الوسيلة لاقامة المحلات العامة في المقاهي حيث تقام حفلات الى تفهم الحالة الاجتماعية التي يكون الوقوف مليا عند مجالس البغداديين القدماء بجنوحهم للغناء ولاشك انهم قد توارثوا الزمن. الغناء العراقي الصميم من قبل مغنيين محترفين يجيدون غناء المقام العراقي على انغام (جالغي بغداد) الذي سنفرد له بحثا خاصا، ومن اشهر من غنى المقام العراقي في ذلك العهد المرحوم احمد زيدان، وحسن الشكرجي، والسيد جميل ورشيد القندرجي، ونجم الدين الشيخلي ومحمد القبانجي وغيرهم.. فكان اذا اجتمع هواة الطرب في تلك المقاهي والتم عقدهم شرع المغني بالغناء مبتدئاً بمقام البيات فالنادري فالطاهر فحجز ديوان والقوريات والرست والمنصوري والجبوري والشرقي والحسيني والدشت والحكيمي والبنجكاه ...الخ وكان من عادتهم كلما انتهوا من غناء احد المقامات بدأوا بغناء (البستة) ومن اشهر البستات التي غنت في (جالغي بغداد) ذلك العهد: (لابس ضريبي وحول خيال الشكرة وكمرة زهية) ولا اظن ان اسطوانات هذه البستات موجودة فوق رفوف صديقنا الاستاذ عبد الحميد الدروبي والا لشنف اسماعنا بشيء منها، وسنفرد لـ (البستة)  البغدادية فصلا خاصا ايضا. ومن اشهر ما عرف من المقاهي التي كان يغني فيها المقام العراقي (مقهى المميز) في راس الجسر و (مقهى سبع) في الميدان ومقهى القيصرية في شارع البنك وغيرها من المقاهي وفي عام 1907 عرفت بغداد حياة الملاهي اذ اقدم بعضهم على تأسيس الملاهي ولما كان الحجاب هو الذي كان يميز حياة المرأة البغدادية انذاك فلم تعرف تلك الملاهي الراقصات او المغنيات، بل يستعاض عن ذلك بالغلمان الذين كانوا يرتدون الالبسة النسوية ويقومون بادوار الرقص والغناء على –الشانو- والواحد من هؤلاء الغلمان كان يسمى بـ (الشعار) وقد كان الشعارون يحضرون في حفلات الاعراس او المناسبات السارة الاخرى كختان الاولاد ويقومون بالرقص على ضربات الموسيقى البلدي المزيفة او الطبل والمزمار، وبتوالي الايام دخل العنصر النسوي في مسارح بغداد وقد استوردهن من حلب لهذا الغرض المرحوم حسن صفو وهو اول من اسس (التياترو) في بغداد قد بقى حيا حتى كثيرون توفي معظمهم و لكن الرمز الحقيقي لحياة التياتروات في بغداد قد بقى حيا حتى الان وهو صالح بيجه الذي اسهم في تأسيس عدد كبير من الصالات والكباريهات..وان البغداديين الذين امتزج الطرب في دمائهم كانوا يتهافتون على ارتياد هذه المحلات وكانوا يشاركون (الجالغي) في الغناء باصوات خفيضة ويتأوهون لذكر احبابهم كلما سمعوا مقطعا جميلا او غناء شجيا وليس ادل على ولعهم بالغناء ما ينادي به الباعة على بضاعتهم شعرا عذبا وغناء شجيا فبائع التفاح مثلا كان ينادي على تفاحه (تفاح العجم خدك ياعجمي) وبائع الكبر وهو نوع من النباتات كانت منتشرة الاستعمال لشفاء بعض الامراض فهو ينادي على بضاعته بقوله (اكلك منافع يا كبر يمتن الزنود  ويحمر الخدود اكلك منافع يا كبر الى غير ذلك.. rnجريدة العهد الجديد والصادرة بتاريخ 25/12/1960 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram