لم يكن مستغربا ما اورده المرحوم مصطفى علي في بعض يومياته انه شاهد الفريق بكر صدقي قائد الانقلاب المعروف قبل سفره الى تركيا ومنها الى المانيا وهو في حالة من يستشعر بدنو اجله، وانه كان يبتسم لمودعيه في السفر ابتسامة من لايؤمل العودة الى الوطن وهو على قيد الحياة)!
لم يكن غريبا ان يبدو الفريق في مثل الحالة التي وصفها الاستاذ مصطفى علي لان هذه الحالة هي الطبيعية بالنسبة لكل من يعتمد على السلاح في تحقيق اهدافه التي يؤمن بها،ولهذا فليس هناك من جناح على الثوار الوطنيين في ان يحتاطوا لما قد يتعرضوا له من خصومهم الذين ثاروا عليهم ، والواقع ان بكر صدقي كان محقا في حذره، ولكن استشعاره بدنو اجله خلال السفرة التي كان يزمع القيام بها الى خارج البلد، وهو الامر الذي يدعو الى الالتفات لانها قد تعبر عن هاجس من الهواجس التي لم يفت على علماء النفس الحديث عنها فيما تناولوه من مباحث سبروا فيها اغوار نفوس العديد من الشخصيات العالمية التي كانت تتوقع الاحداث التي سيتعرضون لها في وقت قريب!ولقد ترددت اشاعات وهمسات عن احتمال تعرض الفريق بكر صدقي او اعوانه الى الاغتيال من اعوان الوزارة الهاشمية التي اطاح بها انقلابه او من ذوي الاشخاص الذين تم اغتيالهم او تشريدهم خشية معارضتهم الحكم الذي جاء به الانقلاب والذي وصفه النائب الشيخ محمد باقر الشبيبي بأنه (يفتقد الوجه القومي) واصراره على ذلك بالرغم من ان النائب صادق كمونه وهو من اقطاب جمعية الاصلاح الشعبي..قد اكد الوجه القومي لوزارة حكمة سليمان من خلال عقدها سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات مع البلدان العربية، وان الوزارة المذكورة كانت السباقة الى جذب اليمن للانخراط في العمل العربي المشترك!اقول ان تعرض بكر صدقي واعوانه للاغتيال كان محتملا لكثرة الخصوم ولكونه الرد الفعلي للعمل الذي قاموا به،بل ان مثل هذه المحاولات قد وقعت ولكنها لم تسفر عن تحقيق الهدف المقصود منها، ولقد اورد المرحوم الشيخ عبود الهيمص في كتابه المخطوط (ذكريات وخواطرعن احداث عراقية في الماضي القريب) بعض ما لم ينشر من احاديثه مع قادة الانقلاب غداة زياراته لهم مع الوفد (الحلي) المؤلف لتهنئتهم بالانقلاب بايعاز من متصرف الحلة احمد زكي الخياط ما يضيف الى تاريخ العراق السياسي الحديث ، فصولا جديدة لايستغنى عنها نحتزئ منها ما يخص توقع بطل الانقلاب تعرضه للاغتيال...يقول الشيخ الهيمص (وبعد مدة سمعنا ان بعض الضباط يتآمر ضد بكر صدقي ويحاولون قتله وانهم دبروا محاولة لاغتياله في وليمة كان مقررا ان يحضرها لدى السفير الاميركي...ولم تحدث هذه المؤامرة بالرغم من حضور بكر صدقي، وقيل في حينه ان المرحوم جميل المدفعي كان يعلم بتفاصيل المحاولة المقررة، ولكنه حذر القائمين من خطر قيامهم بها في سفارة اجنبية وفي وليمة يحضرها عدد من سفراء وممثلي الدول الاجنبية الاخرى، وربما ترتب على القيام بها نتائج خطرة على البلاد).وقد سمعت من المرحوم حكمة سليمان ان بكر صدقي كان يخشى من تعرضه للاغتيال من بعض عملاء الدول الاجنبية، ولهذا لم يكن ليحرص على حضور الحفلات التي تقام له في بعض السفارات الا بعد ان الح عليه وقدم له التأكيدات المبددة لهواجسه..ويبدو ان توجسه كان في محله بدليل ما ذكره الشيخ الهيمص من المؤامرة التي كانت تحاك لاغتياله في السفارة الاميركية!ونعود الى مذكرات الشيخ الهيمص فنجد فيها قوله (وبلغنا ان بعض الضباط كمنوا لبكر في اليوم الاسبوعي المقرر لذهابه الى البلاط ولكن بكر صدقي لم يسر في الطريق التي اعتاد ان يسلكها في ذهابه وايابه الى البلاط في ذلك اليوم لمحض المصادفة او لسماعه باخبار هذه المحاولة)...ويضيف (ولم تكن هاتان المحاولتان هما كل ما دبر من محاولات لقتله نظرا لان الكثير من العناصر القومية كانت تعمل ضد بكر صدقي لاعتقادها بانه كان يعمل للقضية الكردية ويتجه بالحكم اتجاه مصطفى كمال في تركيا فضلا عن استهجانهم لتصرفاته في (الاوتيلات) هو واعوانه من سيئي السلوك والتصرف بمن قبلت عنهم اقاويل سيئة كثيرة ولاعتداءاتهم على الناس بمختلف الاساليب..وبمنتهى الاستهتار وهذا كله مما زاد النقمة على بكر صدقي..واعوانه حتى كانت حادثة اغتياله في طريق ذهابه الى تركيا على النحو المفصل مما نشر في الكتب والمذكرات.جريدة البلد 1965
ذكريات (ايام زمان )..أول مرة.. محاولتان فاشلتان لاغتيال بكر صدقي
نشر في: 25 إبريل, 2010: 05:30 م