علي حسين
أعتذر مقدماً، لأنني أتحدث في هذه الزاوية كثيراً عن تجارب الشعوب، وأعيد واصقل في حكايات الكتب وروايات الماضي، ولكن ماذا يفعل كاتب مثلي مطلوب منه كل يوم أن يملأ هذه المساحة بحادثة من حوادث هذا العصر"الزاهر"؟ ماذا أكتب وأنا أرى العراق منذ سنوات يحتل"باقتدار"ذيل قوائم الرخاء والأمان والاستقرار، ماذا أفعل حين أجد إمبراطورية الصومال مصرَّة على أن تنافسنا الموقع والمكانة في سجل الرفاهية، فيما استطاعت أفغانستان أن تتجاوزنا بنقطة واحدة. ولكننا وهذه نعمة من الباري، تقدمنا خطوتين في مجال حرية التعبير! بمعنى أنك تستطيع أن تكتب وتتحدث عن السرقة والفساد الحكومي والسياسي وحتى عن عمليات القتل على الهوية، وبإمكانك أيضا أن تسخر من كبار السياسيين والمسؤولين، فقط تحدّث، لا شيء سيحدث، لا أحد يقرأ و لا أحد يسمع، فما يجري مجرد حكاية يملأها الكذب والضجيج والبلادة ولا تعني شيئا كما أخبرنا المرحوم شكسبير ذات يوم.
في أحدث تعليقاته على الوضع سمعنا المرشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية السيد نوري المالكي يقول"إن جميع المشاكل تحل من خلال الدستور"ويترك لنا أن نفهم، ما إذا كانت القضية المطروحة هي الاختلاف على الدستور أم الاختلاف على توزيع الحصص.
الناس تعرف جيدا أن ساستنا الافاضل أبدلوا ملفات مهمة مثل الخدمات والتنمية والصحة والتعليم والبطالة والسكن بملف واحد هو"الصراع على السلطة ومنافعها"، ففي كل يوم يصحو العراقيون على سؤال جديد هل الحديث اليومي عن الدستور يمكن أن يعوضهم، سنوات من التخبط والارتجالية والمحسوبية والانتهازية التي مارسها العديد من السياسيين، فبدلاً من أن يكون سعي الساسة الى يكون العراق تاريخاً من الاستقرار والازدهار، تحول على أيديهم الى سلسلة طويلة من التجارب الفاشله في الحكم، مرة في الحديث عن أخطاء الدستور ومرة في الحديث عن أخطاء الدستور، ومرات عدة في السعي إلى إقصاء الآخرين بكل وسائل الاجتثاث
اليوم نحن في مهنة في محنة، ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة. وأصعب المحن هي المتعلقة باختيار الوزراء الأكفاء. البرلمان لم يعالج الأزمة، ولم يوجه دعوة للاكفاء. بل السبب كان دومًا يتحاشي التخطيط المستقبلي، والوقوع في دوامات الفشل، وكان آخرها اننا وضعنا خريج كلية زراعة وزيرا للتخطيط، وجعلنا فالح الفياض يصرخ : أنا اكبر من وزارة الداخلية.