إياد الصالحي
لستُ مبالغاً إذا ما اعتبرتُ مباراة منتخبنا الوطني مع نظيره الصيني التي ستجري غداً الإثنين بأنها المحك الحقيقي لقدرات لاعبينا ومدربهم الجديد لاسترداد الثقة المفقودة وبيان صواب منهج الإعداد على مدى 111 يوماً منذ تولي ستريشكو كاتانيتش العمل ببغداد، برغم ودية اللقاء ورغبة المنتخبين على إظهار الجاهزية الكاملة قبيل الدخول في بطولة كأس آسيا المؤمل انطلاقها في الإمارات 5 كانون الثاني العام المقبل.
إن خصوصية التنافس الذي جمعنا بصديقنا الصيني في أكثر من مناسبة تفرض استعداداً يتماهى مع شخصيته القوية المعروفة في المنطقة وحركة لاعبيه التي لا تهدأ طوال شوطي المباراة وتنوّعه في أسلوب المباغتة والتحفظ وحتى في طريقة اصطياد الهدف عبر سلسلة من المحاولات الهجومية المضغوطة لخلخلة التماسك الدفاعي بغية التسديد من خارج منطقة الجزاء مستغلاً ثغرة ما، وهو ما يجيده "التنين" بشكل لافت.
16 مباراة لعبت قبل لقاء الدوحة، بحسب بيانات الاتحاد الدولي لكرة القدم، فاز الأسود في ثماني مباريات مقابل ست للصين وتعادلا مرتين، وتمكّن منتخبنا من هزّ شباك الصديق ثمان عشرة مرة مقابل سبع عشرة كرة في مرمانا، معادلة متكافئة تنمُّ عن توازن مستوى الفريقين وندية العطاء بينهما وعدم تفويت الفرصة في التسجيل لترجيح الكفة أو التعادل على أضعف الإيمان، وهي مسلمات بديهية لمن عرف طبيعة المنافسة التي جمعتهما منذ زمن بعيد، ما يسترعي ذلك يقظة لاعبينا والكابتن كاتانيتش لعدم السماح بالخسارة وتقديم العرض المرضي طوال شوطي المباراة برسم الفوز لتعزيز العامل المعنوي.
هناك من أشكل على القائمة ضعف بعض لاعبي المنتخب الذين اختارهم كاتانيتش للمهمة القارية، وسواء اتفقنا أم لم نتفق تبقى الكلمة الفصل لهؤلاء اللاعبين لتأكيد جدارتهم وحُسن اختيار المدرب، ولتكن نقطة الانطلاق من مباراة الصين عبر أداء يرتقي وأهمية المناسبة، فكثير ممن اختيروا لتمثيل العراق في بطولات سابقة واجهوا اعتراضات جماهيرية كبيرة تكاد تنزع الثقة من أنفسهم، إلا أنهم حوّلوا سلبية الاعتراض الى طاقة تحدٍّ وظّفتْ الى أداء بطولي نال استحسان جميع النقاد، والشواهد كثيرة تدلل على بروز نجوم عدة في معسكرات وتجارب ميئوس منها.
وبدت الرسالة الموجزة للمكتب الإعلامي لاتحاد الكرة أمس وافية في انطباعها التفاؤلي بأن جميع اللاعبين يتمتعون بالصحة واللياقة البدنية العالية والانسجام والرغبة في انتزاع قناعة كاتانيتش بالبقاء ضمن قائمة اللاعبين الـ23 المؤمل إرسالها لاحقاً الى اللجنة المنظمة لبطولة كأس آسيا، وأكدت الرسالة أن مدرب اللياقة البدنية سردار محمد بذل جهوداً كبيرة في عملية الاستشفاء التام لجميع اللاعبين بعد خوضهم مباريات متوالية في الدوري الممتاز عقب مباراة بوليفيا الودية التي جرت يوم 20 تشرين الثاني الماضي، أثرت على مستوياتهم بصورة عامة، وستكون مباراة الصين فرصة للاستفادة من برنامج سردار لتقديم العرض اللائق والمثمر.
ومن المفارقات اللافتة، أن اتحاد الكرة كان غالباً ما يشكو الحملات الإعلامية السلبية المصاحبة لمهمّات الأسود بتوقيات يرى فيها ضرراً نفسياً على عموم اللاعبين قبيل خوض المباريات الرسمية، فماذا عنه اليوم وهو يشهد انقساماً حاداً بين الاعضاء وصل الى درجة تهديد البعض بالاستقالة ما لم يعاد النظر في مسائل عملية يريد رئيس الاتحاد أن ينفرد برأيه فيها دون أي اعتبار لآراء بقية أعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد، وهي فوضى إدارية يحكمها المزاج وتمثل عدم توافق كثير من القرارات مع قناعات الأعضاء لاسيما أن تصاعد الخلاف هذه المرّة تزامن مع مصادقة الاتحاد على استقالة النائب الأول شرار حيدر الذي لم يبح بسرِّ قطع صلته الرسمية بالاتحاد وستشهد الايام المقبلة فضح الكثير عمّا خبّأته التحالفات (الكارتونية) لانتخابات 31 أيار 2018.
سنترقّب مباراة الصين غداً الإثنين ولنا موعد آخر مع فلسطين يوم الجمعة 28 كانون الأول الحالي للحكم على مدى جاهزية الأسود الذين نتوسم فيهم الشجاعة المستمدّة من تاريخ أجيال أشدّاء حققوا نتائج مذهلة لكرتنا في ظروف معقدة، بينما جيل آسيا 2019 ينعمون بكل مقوّمات النجاح وهم مدلّلون في أنديتهم مادياً ومعنوياً، ويلقون المساندة من الإعلام والجمهور، ويتدربون بقيادة مدرب أجنبي لإزالة نحس علاقات زميله الوطني في ميله لهذا اللاعب وظلمه لآخر، ما عليهم سوى الإبداع واستحضار ملحمة جاكرتا 2007 فهم أهلها في المنازلة والتفوق.