علي رياح
المدرب الإنكليزي الشهير رون غرينوود الذي مارس المهنة على مدى اثنتين وعشرين سنة بينها سبع سنوات في قيادة منتخب بلاده، يلخّص العبر والدروس التي خرج بها لدى التقاعد بالقول: (منتهى الوهم أن يظنّ أي مدرب في الدنيا إنه سيد قراره، والصحيح إن مَن يمتهن التدريب عليه أن يقبل بالمصير السيئ الأسود وهو ربط اسمه وتاريخه وإنجازاته وطموحاته باثنين وعشرين قدماً تتحرك أو تتمرّد في الملعب، وهي التي تحدد نجاحه أو فشله، وهي التي في وسعها استبقائه بتجديد عقده أو طرده والهبوط بسعره في سوق المدربين، وهذا يعني أن أقدام اللاعبين هي التي تقرر مصيره وما تعيش عليه عائلته)!
كأني البرتغالي جوزيه مورينيو يجترّ الدرس نفسه وهو يغادر معقل المانيو مسخوطاً عليه ، فالرجل المعروف بقوة شخصيته حدَّ التسلّط وبجفافه الذي يدنو إلى مستوى التيبّس، ولن يجد في أقرب مساحة بوح له على إحدى الصفحات غير الإيمان بما ذهب إليه غرينوود، والدليل هذا السيل من الاعترافات التي أفاض بها نجوم الفريق بعد أن كانت أجهزة موبايلاتهم المحمولة معبّئة بها تماماً، وكل ما فيها يفزع كل مراقب، ويثبت لنا أن سلطة اللاعب في كل مكان أقوى من سلطة المدرب، فالأخير يستطيع أن يتّخذ ما يشاء من القرارات، واللاعب يستطيع أن ينفذ ما يريد ويمتنع عن تنفيذ ما لا يرغبه داخل الملعب أو خارجه، وهذه هي الحقيقة التي أدركها مورينيو، وسيدركها كل من يعمل في فريق متخم بالنجوم الذين يتحولون، على الأغلب، إلى مركز قوى تملك السلطة والقرار والنفوذ، ولا تترك للمدرب إلا التمتع بموقعه الشكلي، مثل زورق الورق الذي يمخر عباب البحر ولا مصير له إلا الغرق والتلف!
وبعد الانقلاب المدهش في أداء الشياطين الحمر في أول مباراة للمدرب الجديد سولسكاير، وفوزهم الخماسي على مضيفهم كارديف سيتي، وهي نتيجة لم يحققها المانيو منذ أيام المدرب خالد الذكر السير أليكس فيرغسون.. بعد هذا الانقلاب، ازددت قناعة بأن (تآمر) اللاعبين على مدربهم ليس ابتكاراً أو صنعة أو (امتيازاً) عراقياً، كما نتوهّم في أحيان كثيرة، لنحيطها بألف حكاية وحكاية في صحفنا المحلية ومواقعنا التواصلية.. فنحن في كل يوم نسمع عن (طبخات) يعدّها لاعبونا بقصد التأثير على نتائج الفريق، في المنحى السلبي طبعاً، من أجل أن تتحرّك الإدارة في خاتمة المطاف نحو تنحية المدرب.. فهي عاجزة عن إطاحة فريق كامل من اللاعبين بجرّة قلم واحدة.. وهي كذلك أعجز من أن تضع نفسها كإدارة تحت طائلة المحاسبة أو التحقيق.. لهذا ينجح اللاعبون دوماً في حبك مثل هذه القصص حين يضيقون ذرعاً بطريقة المدرب في إدارة الأمور أو حين يرتفع عليهم الحمل التدريبي أو عندما يطالبهم بإبداء المزيد من الانضباط في السلوك واللعب، ولما فيه خير الفريق ككل!
لست هنا في صدد الدفاع عن جوزيه مورينيو أو أي مدرب في الدنيا يُبتلى بالعناصر الكبيرة الضاغطة داخل الفريق.. لكني أشدّد، هذه المرّة أيضاً ، على أننا لسنا وحدنا من يبتكِر قِصصاً من هذا النمط، ومن الخطأ تصوّر أن اللاعب الأوروبي ملاك ولا يعرف أساليب التآمر على الفريق من أجل اقتلاع المدرب من كرسيه المهزوز!