طالب عبد العزيز
ما كنت وادَّاً الكتابة في شيءٍ بمناسبة أعياد الميلاد، وأجد أن التهنئة المقدمة للاشقاء المسيحيين، على صفحات الفيسبوك فارغة من المعاني، إذ ما قيمة ما أكتبه لهم هنا، وهم يعانون الغربة في وطن آبائهم وأجدادهم، ما قيمة ما نفعله لهم نحن، جماعة المثقفين إزاء ما تقوم به المؤسسات الدينية والأحزاب والقبائل، وما يتم التأسيس له في مساجدنا ومضايفنا ومدارسنا، فلنعترف بلا جدوى التهاني هذه، ولنكن على قدر المسؤولية في تحمل ما اقترفته الطوائف والمذاهب الكبيرة بحق أبناء الطوائف الصغيرة، إذ، ما عاناه ويعاني منه ابناء الطوائف الاخرى مثل المندائية والآيزيدية والزرادشتية ووو ليس بقليل.
محزن أن يشعر المواطن، أي مواطن بالغربة في الوطن الذي عاش فيه آباؤه وأجداده. فما يعاني منه الشيعي الساكن في الاغلبية السنية لا يختلف عن ما يعاني منه السني في الاغلبية الشيعية، وهناك ما هو ابعد من ذلك، ففي قريتنا الصغيرة، ذات الاغلبية الشيعية يعاني السني من تهميش واضح، فهو يدخل مسجده خائفاً، وتجد أكثر من أسرة شيعية غربة من نوع آخر، فهم يتبعون مرجعية غير نجفية، وتعاني مجموعة من الأسر في البصرة، ممن يدينون بالبهائية غربة ومخاوف من نوع آخر، وتستغل بعض النسوة المسيحيات الظهيرة فرصة للتسوق، ساعة يكون السوق أقل ازدحاماً، ويغلق صديقي، عازف العود باب داره ويسدل الستارة على الشباك كلما حاول الدندنة على عوده، وهكذا. بلا مخاوف.
ستكون مخاوف الأسرة من عشيرة ضعيفة، أكثر في شارع تسكنة غالبية، من عشيرة قوية بالحيانية، ومثل هذه وتلك ستكون مخاوف الموظف الشريف في الدائرة التي يديرها موظف في حزب مسلح، جمع أفراد حزبه وعشيرته في دائرته ليكونوا السند والعون له. كل ظلام في العراق مخيف، وكل نور زائف، وكل بندقية تشهر ليست لحمايتك، هي مشروع لاستباحتك ايها الغريب. يستقبح بعض الاصدقاء ما أنشره على صفحتي في الفيبسبوك، يقولون إنك تنشر صور زجاجات النبيذ، حمراء وخضراء وهذا ما لا يستحسنه الغير، ويصمتون عن أفعال جاري، الذي خرج ببندقيته ملعلعاً، يصمتون عن كل ما يفعله النائب، في الحزب المسلح، الذي قطع الطريق وابتلع ابنه الرصيف، وسلب المدينة بهاءها وجمالها، يصمتون عن ما يحدث للمدينة من خراب، وليس فيهم من وقف بوجه فاسد.
لا قيمة لما نكتب ونقرأ وندّعي معرفته، في وطن يستبيح ذو البندقية حقك بالعيش فيه، ويصادر رأيك فيه كل معتم بعمامة. اشعر بالغربة والهوان والرعب في المطعم والكازينو كلما خلع أحدهم مسدسه وجعله على الطاولة، على مشاهد الحاضرين، واتحسس رقبتي كلما خطفت سيارة مظللة أمامي. كل سياج عال يهدد حياتي، كل يافطة تقول: يا لثارات الحسين تتقصدني، أخشى السير قرب مقار الأحزاب الدينية، وأتجنب الحديث عن جيش المهدي والعصائب والكتائب وجيش محمد والدولة الاسلامية ووو ولا أخوض في نقاش بشأن علي ومعاوية وفاطمة وعاشة ويزيد والحسين ووو فهذه مهاوي ومنابت للموت. عن أي تهنئة للمسيحيين نتحدث؟ عن أي أعياد للميلاد؟.