علاء المفرجي
الموسم السينمائي الأخير كان حافلاً بأفلام اعتمدت المؤثرات الكومبيوترية (الكومبيوترغراف) في صناعتها، واستخدام التكنولوجيا الرقمية بشكل كبير، وإن كان ذلك قبل عقدين يقتصر على أفلام الخيال العلمي، أو أفلام الاكشن، إلا أنه في السنوات الأخيرة شمل كافة الأنواع السينمائية، واستخدمت بعض الأفلام ممثلين مصنعين، من دون استخدام نجوم حقيقيين.
وقد تخصصت شركات سينمائية لإنتاج مثل هذه الأفلام التي صار لها جمهور واسع، وأصبحت تحقق نسب إيرادات عالية.. وهو الأمر الذي يحسب للتطور المضطرد لعملية صناعة السينما ، والتي مرت بدورها بسلسلة من الاختراعات والابتكارات في جميع مفاصلها، على مدى أكثر من مئة عام، لدرجة تمّ إنتاج أفلام تحاكي من باب النوستالجيا أفلام العشرينيات والثلاثينيات، مثل الفيلم الفرنسي (الفنان) الذي حصل على أربع من جوائز الأوسكار.
وطبقاً لذلك فقد انخفضت نسبة الإيرادات لأفلام هذا الموسم، أو صارت مصنوعة فقط للمهرجانات، كما انخفضت نسب إقبال رواد السينما، هذا التراجع رسخ اعتقاداً لدى بعض المتابعين بأن عصر السينما قد شارف على نهايته ومثل هذا الاعتقادغالباً مايبرز الى السطح مع كل هزة تنال من مكانة السينما، ونظرة متفحصة لمراحل تطور هذا الفن تثبت خطل مثل هذا الاعتقاد. فعندما اجتاحت الأفلام الناطقة الساحة، قوبلت بالرفض من كثيرين الذين اعتبروا أن ذلك بداية النهاية لهذا الفن باعتبار أن هذه التقنية الجديدة قد أساءت الى القدرة التعبيرية للصورة خاصة بعد أن خلق مخرجو السينما الصامتة وسائل غنية ومعبرة تجاوزت (صمت) السينما. وهكذا مع دخول الألوان، بل وحتى مع ظهور التلفزيون الذي كان بمثابة تهديد جدي لمكانة السينما الذي سرعان ما واجهه المنتجون بالفيلم المجسم ثم الشاشة العريضة.ومن هنا فان التراجع الملحوظ في الإيرادات ونسبة المشاهدة في موسم معين لا يشير بالضرورة الى أن عصر السينما قد أفل أو أن جمهور السينما قد أعطى ظهره لهذا الفن، قدر ما يشير الى أن الرهان في مثل هذا الموسم على نوعية محددة من الأفلام، ونعني هنا أفلام المؤثرات، لم يعد بالرهان المجدي، فإن مثل هذه الأفلام، وان كانت قد هيمنت على الانتاج السينمائي، خاصة خلال العقدين الأخيرين وحققت ايرادات قياسية لم يشهد تاريخ السينما لها مثيلاً، فإنها قد استنفدت أغراضها في إبهار مشاهدي السينما وهو ما يمكن ملاحظته خلال السنوات القليلة الاخيرة التي شهدت عزوفاً واضحاً عن هذه الأفلام، لصالح الأفلام التي استوفت عناصر الصنعة التقليدية والتي تؤكد على شخصية هذا الفن خاصة مع هيمنة هذه الأخيرة على جوائز المهرجانات والمسابقات السينمائية. وهنا أشير الى المفاضلة التي اجراها احد المطبوعات السينمائية المتخصصة بين فيلمي (ذهب مع الريح) الذي انتج قبل اكثر من نصف قرن وفيلم (تايتنيك) الذي بلغت ايراداته رقماً قياسياً في تاريخ السينما.. وكانت المفاضلة لصالح الأول. والأمر هنا لا يتعلق برفض دخول التقنيات الحديثة على صناعة الفيلم قدر ما يتعلق بدخولها (المجاني) إن صح التعبير والذي لا يقصد منه سوى الإبهار والإبهار فقط، فدخول التقنية عبر مراحل تطور هذا الفن ارتبط باستغلالها أي هذه التقنية - استغلالاً فعالاً يمنح هذا الفن قدرة تعبيرية جديدة، تجعل من فن السينما فناً يستوعب كل ما هو جديد في مجال التقنية، والقدرة على التجديد بما يمنح هذا الفن خصوصيته المفتوحة على آفاق جديدة.