adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
مجلس النواب السابق، الفاشل مثل ما قبله، سنّ رئيسه سُنّة غير حميدة بإعطاء نفسه حقّ تقرير ما إذا كان التصويت برفع الأيدي على القوانين والقرارت والإجراءات المطروحة في المجلس قد حظي بالأغلبية اللّازمة أم لا، من دون تدقيق وتمحيص وتثبُّت. كانت حجته أن أجهزة التصويت الإلكترونية قد تكسّرت عندما اجتاح المحتجّون الغاضبون مبنى البرلمان في 2016 بعدما عيل صبرهم حيال طبقة سياسية متنفذة بالغة السوء متمسّكة بالفساد.
لمئات السنين، قبل تدشين العصر الإلكتروني الحديث، كانت البرلمانات في العالم تجري عمليات التصويت داخلها برفع الأيدي ، وثمة فريق موظفين محترفين وموثوقين ومُراقبين يتولّون عدّ الأيدي المرفوعة ويقدّمون العدد الى هيئة الرئاسة لإعلان النتيجة. وفي الغالب فإن عدّ الاصوات لا ينحصر في عدد الموافقين بل يشمل المُعترضين والمُحجّمين عن التصويت، فهذه هي الديمقراطية. ومنذ إنشاء الجمعية الوطنية هنا اعتمد هذا النظام قبل أن يدخل النظام الإلكتروني الذي من ميزاته الضبط والدقة والسرعة.
في حالات كثيرة جرى الطعن في عملية إعلان رئيس مجلس النواب السابق نتائج التصويتات. والآن، على قصر عمر مجلس النواب الحالي، فإن عشرات من النواب اعترضوا واحتجّوا غير مرة على الطريقة المُعتمدة في عدّ الأصوات داخل البرلمان من دون دقّة وتثبّت وتوثيق. آخر الوقائع كان مع التصويت على المرشحة الى وزارة التربية الجديدة وسواها منذ أيام. رئيس المجلس هو الذي قرّر، كما صرّح بذلك نواب عدّة من قوائم مختلفة شاركوا في التصويت، أنّ المرشحّة قد فازت بالأغلبية، لكن لم تُعلن أية أرقام بشأن مستوى هذه الأغلبية، لأنه ببساطة شديدة لم تُجرِ عملية عدّ نظامية.. رئيس مجلس النواب ألقى نظرة سريعة على القاعة وقرّر بنفسه، على طريقة سلفه، أن الأغلبية مُتحقّقة!
هذا إجراء أقلّ ما يمكن أن يُقال فيه إنه متعسّف، وأقل ما يُقال فيه إنه مناهض لمبادئ الديمقراطية وممارستها، وأقلّ ما يُقال فيه إنه مصادرة لإرادة مجلس النواب التي هي في النهاية إرادة الشعب.. نحن إذن في الواقع بإزاء جريمة يحظرها القانون تُرتكب داخل المجلس المنوطة به مهمّة تشريع القوانين ومراقبة تنفيذها.
لابدّ أنّ لرئيس مجلس النواب، الحالي أو السابق، مصلحة شخصية أو حزبية في ارتكاب مخالفات وانتهاكات من هذا النوع .. هذا أمر معروف، لكنّ السؤال: كيف يسكت الآخرون على هذا؟ .. لماذا لا يعترضون ويحتجّون داخل المجلس ويعطّلون جلسته؟.. هذا حقّ لهم كلّما كان هناك خرق لقواعد النظام الداخلي لمجلس النواب وقوانين الدولة.
من اللازم ألا يسكت النواب على هذا وألا يقبلوا بتمريره.
برغم عيوبه الكثيرة، فإن مجلس النواب الحالي، كما سابقاته، فيه عقلاء، يمكن لعشرة منهم أن يحوّلوا القضية الى قضية رأي عام، بالإرادة والإصرار والشجاعة. هؤلاء بالذات مطلوب منهم التصدّي لأيّ مسعىً من "زعاطيط" المجلس لجعل البرلمان مطيّة شخصية لهم وأحزابهم، وتحويل الديمقراطية إلى مجرد دمية.