طالب عبدالعزيز
معظم الناس يدركون جيداً أن التمنيات الجميلة، التي يتمنونها لبعضهم، في المناسبات التقليدية، مننذ آلاف السنين غير مجدية، ولن تحقق لهم ما يصبون إليه، وهم يدركون أيضاً إن الحياة والرغد فيها والمستقبل لا تجلبه أمنيات صادقة، إنما تتحقق بالعمل والإدراك والإصرار على تجاوز الصعاب، لكنهم، ظلوا يغرقون بعضهم بالكلمات الناعمة، وهذا دأب الإنسان الذي لا يجد الى تحقيق طموحاته سبيلاً.
لكن، لا ضير، فالصلواة من أجل بعضنا والدعاء لبعضنا، شيء جميل بكل تأكيد، وهو فعل إنساني نبيل، في مجتمعات صار السباق فيها وحشياً. حين أعود الى بيتنا القديم، أجد أننا كنا نملك حنفية ماء واحدة، وفي كل غرفة مصباح قدرته 50 واط، وكل غرفة بمروحة أو بدونها وموقد للحطب في ركن منعزل من البيت، حيث لا غاز ولا نفط، ومطبخنا كله عبارة عن محمل خشب، ولو أحصيت مقتنيات البيت كلها لن تملأ عربة يجرها حصان، وهكذا، لا أدعي القول بأننا كنا سعداء، أو فقراء، ابداً، ولن أقول بأن الأدعية والتمنيات كانت تصل بركاتها لنا جميعاً، أو أنها لا تصل، كما لن أقول بان أبي ونحن فيما بعد، كنا قليلي السعي في تحقيق ما نريد، إنما هو منوال حياة عامة، يشتمل عليه كل بيت.
يحدثني أصدقاء ممن تسنت لهم الهجرة والعيش خارج العراق عن هموم غير التي نعاني منها، نحن الذين في الداخل، أجدها تقارب في مضامنيها ما نعاني منه، هم يشكون من البرد فيما نشكو من الحر مثلاً، وشكواهم من شح في العلاقات والتزاور فيما تكون شكوانا من وجودنا في مجتمع قبلي وأسري فيه الكثير من الازعاج، وهناك العشرات من الأمثلة التي تؤكد التباين في الأسباب وتشترك في المعاناة، لكننا، ما زلنا نتبادل التمنيات مع بعضنا، وندعو لهذا وذاك، في مناسبة أعياد الميلاد والمناسبات الاخرى، مع يقيننا بان كل شيء لن يتغير، وأن الحياة تأخذ حقها منا، فيما سنظل نلهث معها، في سبيل رؤية ما عجزنا عن تحقيقه في الأعوام الماضية، في دأب ومسعى لن نبلغهما أبداً.
قد نسأل السؤال التقليدي: ماذا لو أنَّ تطلعاتنا أجيبت، وصار لدى كل واحد منا بيت كبير بحديقة جميلة وسيارة فارهة ورزقنا بأولاد وبنات وعندنا رصيد محترم في البنك ونسافر متى شئنا وتحقق كل ما تمنياه لبعضنا، وبات كل شيء طوع بناننا، هل سنظل نلحف بذات الأمنيات والأدعية لبعضنا، الجواب نعم. لأنه، ببساطة كلام حلو، لا خسارة فيه، لكن، ألا نجد أن هذا السعي غير المسمى والموصوف، القابع عميقاً في النفس الانسانية، المتطلع الى ما لا حدود له سيكلفنا حياتنا في الأخير؟ نعم، في النهاية سيكون ذلك كله ثمناً لحياة أردناها على وفق ما تمنينا لكنها لم تكن ولن تكون حقيقة ما أردناه.
وسط هذا المضطرب من سلوكنا، نجد أن الحياة تسير لمستقر نهائي لها، مهما بالغنا في تأملها، ورسم الصورة التي تناسبنا عنها، وأننا سنكون فيه بحاجة دائمة للامنيات، مثلما نكون فيه بحاجة دائمة الى السعي والعمل وإدراك الذي سيتحقق. إذن، العيد مناسبة جميلة للتمني أليس كذلك ؟