إياد الصالحي
كثرتْ الأعوام الاحتفالية عند العرب لاسيما في السنين الأخيرة بمسمّيات تعبّر عن الأمل والتسامح والتلاقح بدلاً من اليأس والبُغض والتقاطع نتيجة المصائب المهولة التي أودت بحياة مئات الألوف من الشيوخ والنسوة والأطفال والنسبة الأكبر من الضحايا هم شباب الأمة الذين ماعرفوا طعماً لراحتهم المسلوبة لاسيما ببلدان قضوا فيها أسوأ أيامهم بين دخان الحروب وأراكيل القهر والتوتر والبطالة، ولهذا غالباً ما نعكس أمنياتنا بدلالات واقعنا البائِس وطموحاتنا العصيّة بفعل سلوكنا وتعصّبنا واتخاذنا قرارات تهوّرية سرعان ما ننّدم عليها بعد فوات الأوان وخسارة الأوطان.
وظّفت الإمارات احتفالية افتتاح بطولة كأس آسيا السابعة عشرة مساء أمس الأول السبت بتناغم واضح مع رسائل التعايش السلمي وتسامح مجتمعات الأرض من مختلف الثقافات التي توحّدت في ملعب مدينة زايد الرياضية، وتبنّتْ صِدامات شعورية ضد العِداء الانساني وما يمتُ بصلة للكراهية والعنف والانعزال، ترجمتها عروض فنية غازلت بوادر الخير والرحمة في أكبر تجمّع قاري يأسر قلوب المشاركين وجماهيرهم حتى الأول من شباط المقبل.
ويبدو أن الصِدام المحسوس والملموس ضد الفُرقة والتمزّق والقطيعة تحوّل في ليلة عرس آسيا الى صِدام كروي شرس كشّر فيه البحرينيون عن أنيابهم الحادّة وباغتوا أصحاب الدار بهدف محمد الرميحي الذي أصاب قلب زاكيروني بالارتجاف الشديد قبل أن يستعيد وعيه بهدف أحمد خليل من ركلة جزاء تردّد الحكم الأردني المهندس أدهم مخادمة في قياسات المسافة والاحتكاك لسقوط الكرة على يد محمد مرهون ليهزّ رأسه بسلامة الحالة ثم يغيّر قراره بعد ثانيتين مصطَدماً باستدراك مع رأي أحد مساعديه وينقذ الأبيض من يومٍ أسود!
استديوهات التحليل ووسائل الإعلام من غربي وشرقي آسيا أنقسمت في توقعاتها عن الفرق صاحبة القدح المعلى في البطولة حسب تصنيفاتها ونتائج تجاربها الودية ونوعية مدربيها، بينما توحّدتْ قناعاتها بقوة التنافس وصعوبة التكهّن بأرجحية أي منتخب إلا بعد اسدال الستار على دور المجموعات أو على الأقل قبيل مباريات الجولة الثالثة لتحديد متصدّري ووُصَفاء كل مجموعة.
وفي ظل الصمت المطبق الذي يخيّم على إقامة أسود الرافدين في أبوظبي واستذكاء مدربهم كاتانيتش بتصريحات تستبعد تزاحمهم على اللقب السابع عشر، مصطدماً بطموحات ملايين العراقيين الذين لا يرضون الا بالتتويج انسجاماً مع مشاعر المواطنة التي تتوق إلى رؤية ممثلي وطنهم في المقدمة دائماً، فإن الجيل المرافق للمدرب يُعَدْ جيلاً مفصلّياً للأخذ بكرتنا الى أفق أمنيات قابلة للتحقيق دون أي موانع بعدما استلهم الدروس على يد مدربين خبرنا جديتهم ورغبتهم في النجاح ولا عذر له إذا ما اخفق في الظهور المشرّف، لاسيما إن الدعم المعنوي المحيط به لم يقتصر على أبناء جلدته، وإنما أخذ عديد مدربي الفرق وآخرهم الألماني بيرند ستانج مدرب منتخب سوريا (مدرب منتخبنا الوطني 2002-2004) التذكير بملحمة بطولة 2007 كيف أن الأسود ظفروا بالكأس ولم ينالوا وقتها نصيباً من الترشيحات باجتياز الدور الأول!
سنترقب ضربة البداية أمام فيتنام، المنتخب العنيد والمتسلّح بالحماسة والأسلوب المتجدد الذي لا يمنعه من تهديد المنافس دون يأس، وستكون ضربة مزدوجة إما تنعش الأسود لمواصلة تعزيز النقاط أو تخدش كرامتهم للبحث عن تعويض يضاعف محنتهم أمام منتخبي اليمن الثائر وإيران "المونديالي" القادم بنهم شديد لالتهام كعكة الختام.
لا يفوتني التعبير عن الحزن لتندّر رواد مواقع السوشيال ميديا وحتى عدد كبير من الزملاء بخطأ الناقد الرياضي السعودي عبدالعزيز الدغيثر لترشيحه منتخب الكويت للعب دور مهم في بطولة الإمارات ولم يستدرك أن الكويت معاقبة من الفيفا، وشخصياً لا أعدها سقطة شنيعة تستحق التهويل كون الرجل غفلَ لبُرهة متأثراً بمكانة "الأزرق" وأغلبنا يشعر بالصدمة الحقيقية لغياب بطل آسيا عام 1980ونعتقد أنه متواجد بتاريخه ونجومه ونكهته بين كبار آسيا، لكن ماذا عمّن يتحدث بوعي ويطالب الاتحاد بعدم استمرار كاتانيتش في هذا التوقيت؟ نجم كرة السبعينيات مجبل فرطوس ظهر في قناة الكاس القطرية مناقضاً عبارة ( ليس كل ما يُعرف يقال) وقال كل شيء وجعل من ساعة تحليله محط تندّر مقدم البرنامج وضيفيه الآخرين بفتحه ملفات لا علاقة لها بالبطولة، بدليل علامات الاستفهام والدهشة التي واجهها طوال الحلقة الخاصة بـ (الطريق الى آسيا) لتنتهي في مفترق طريق أمامه إما أن يُعطي حق التحليل في الاستوديو أو يحترم تاريخه ويكتفي بمؤازرة الأسود من منزله.