adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
في الدول الديمقراطية التي يصرّ ائتلاف دولة القانون، ومن خلفه حزب الدعوة الإسلامية، على أننا من أعضاء ناديها بفضل قيادة الائتلاف والدعوة للدولة في الحقبة الماضية من العهد الجديد، عندما تفشل جماعة سياسية حاكمة في الوفاء بوعودها للناس وتخسر الانتخابات، تقبل الخسارة بروح رياضية وتمنح نفسها مهلة للمراجعة والتأمّل والتدقيق في الأخطاء المُرتبكة استعداداً للمستقبل.
دولة القانون وحزب الدعوة سجّلاً فشلاً مدويّاً في إدارة الدولة التي يكفي أنّ من أبرز مخلّفات القانون والدعوة فيها هذا الفساد الإداري والمالي الذي لا نظير له في العالم كلّه، فالدول التي يتقدّم على العراق ترتيبها في قائمة الفساد هي دول أفقر بكثير من العراق، كالصومال وأفغانستان، وبالتالي فإن مستوى الفساد الذي خلّفته حقبة دولة القانون والدعوة لا يضارعه مستوى.
كنّا نظنّ أن قيادات القانون والدعوة ستهادن نفسها والشعب العراقي لخمس أو عشر سنوات في الأقل، فيُمسك قادتُها المتشبّثون بالسلطة ألسنتهم في فترة الهدنة، فما مِن عيب يُمكن أن تُبصره أعينهم عند غيرهم ممّن خلفوهم في الحكم إلا وكانت لهم مثله بالعشرات والمئات، فضلاً عن أخطائهم وخطاياهم المتفرّدة.
قيادات في حزب الدعوة ودولة القانون تشنّ هذه الأيام حملة ضد وزير الخارجية محمد علي الحكيم.. لستُ من أصحاب السيد الحكيم ولم ألتقه في حياتي سوى مرتين مع آخرين في فعاليتين إعلاميتين، آخرهما في مكتبه مع زملاء آخرين، لكنّني مؤمن دائماً بأنّ شخصاً إذا ما تعرّض لحملة من سيئين لابدّ أنه على حقّ أو أقلّه بعض الحقّ.
بصرف النظر عن الحقّ، فإن سعي دولة القانون للتجييش في سبيل مساءلة الوزير الحكيم بدعوى أنه أعلن تأييدة لمشروع الدولتين في إطار حلّ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، إنما يبدو حملة مدفوعة الثمن من الخارج. حتّى لو قال الوزير الحكيم مثل هذا الكلام فإنه لم يأثم، بل لم يزلّ ويُخطئ قيد شعرة. مشروع الدولتين تتبناه الفصائل الوطنية الفلسطينية قاطبة، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية. الدول العربية، بما فيها العراق، تبنّته رسمياً في قمة بيروت 2002 (مشروع السلام العربي)، وأعادت التأكيد عليه في قمة بغداد 2012 بتأييد ومصادقة حكومة العراق التي كان يرأسها السيد المالكي. إسرائيل والولايات المتحدة هما مَن يقف ضد المشروع ومعهما إيران والفصائل الإسلامية الفلسطينية الموالية لإيران (حماس والجهاد وسواهما). ومشروع الدولتين كان مطروحاً في الأصل منذ 1947 إلا أن الأنظمة العربية رفضته بتحريض من بريطانيا، فكان أن تسبّب الرفض بكل الكوارث الكبرى التي طحنت العرب منذ ذلك الوقت وبينها ضياع فلسطين كلّها ومعها أراضٍ عربية أخرى وقيام الأنظمة الدكتاتورية التي كان نظام صدام حسين تجسيداً لذروة وحشيتها.
أمّا قضية موظفي وزارة الخارجية الثلاثة الذين طلبت الوزارة من هيئة المساءلة والعدالة استثناءهم أو تدقيق أوضاعهم، فهي قضية ضئيلة الأهمية .. حتى لو كانوا بعثيين سابقاً فهم ليسوا من البعثيين الخطرين.
قائد الحملة النائب خلف عبد الصمد كان عليه، لو كان صادقاً في أنه لا يرغب في عودة البعثيين إلى الخارجية، أن يسأل نفسه، وهو العارف: مَنْ ذا الذي فتح أبواب الدولة أمام النطيحة والمتردّية من فلول النظام السابق ليصبحوا نواباً ووزراءً ونواباً لرئيس الوزراء وشيوخ قبائل وأصحاب جماعات سياسية ومحافظين ومسؤولين كباراً في الدولة بالوكالة وأصحاب أعمال ومصارف يمتلكون الآن المليارات المنهوبة من المال العام بطرق الفساد، بعدما كانوا شبه حفاة؟.. زعيم حزب الدعوة ودولة القانون نوري المالكي هو الذي منح هؤلاء استثناءات خاصة، ومنهم صالح المطلك الذي يريد قادة دولة القانون الآن شموله بالمساءلة والعدالة وإبعاده عن العملية السياسية .... صحّ النوم!
"إذا كنت لا تستحي فافعل ما تشاء".. كلام قديم يحتفظ دائماً بكامل حيويته وصحّته ... سيبقى كذلك إلى أمد طويل.