علي حسين
وأنا اقرأ التعليقات التي امتلأت بها صفحات الفيسبوك وهي تتهم رواد شارع المتنبي بانهم باعوا انفسهم للاميركان، تذكرت لافتة رفعها احد المتظاهرين في واحدة من جُمع الاحتجاجات التي قمعتها الحكومة، فقد اكتشف الرجل إن أميركا خدعته بمشروعها الديمقراطي حين سلمت البلاد لأناس يتحسسون سلاحهم كلما سمعوا كلمة ثقافة فكتب ثلاث كلمات اختصر فيها كل معاناته وكانت:"طاح حظك أمريكا"
اليوم اردد مع المتظاهر المسكين"طاح حظك أمريكا"ثانيا وثالثا ورابعا والى ما لانهاية لأنها سلمت البلاد إلى سياسيين البعض منهم يمزج الكوميديا بالسياسة، وآخرون حفروا أسماءهم بحروف من نور في سجل التصريحات الغريبة والمثيرة، التعليقات التي انتشرت في الفيسبوك عن مؤامرة المثقفين وانبطاحهم امام الاميركان تكشف بالدليل القاطع أن هناك جوانب مضحكة كثيرة في حياتنا، بل وكوميدية، فلو أن مسكينا قرأ هذه التصريحات فسوف يتصور أن أميركا التي قطعت آلاف الأميال من اجل انهاء حكم صدام، عادت وقررت ان تحول قادتها الى رواد لشارع المتنبي لتشجيع حركة بيع الكتب، ويحتاج المرء ليكون ساذجا تماما وربما غبيا لأقصى درجة ليصدق"الاسطوانة المشروخة"التي يرددها البعض عن طرد الاميركان من العراق، فالناس تدرك جيدا أن معظم ساستنا لاينامون قبل ان يطمئنوا على رضا السفير الاميركي.. ولهذا اخشى لو أن أحدا قرأ تصريح بعض ساستنا فسوف يتصور أن الحكومة ستتوقف عن انتاج حلقات البرنامج المثير من سيربح كرسي وزارة الداخلية، وستعلن الحرب على أميركا التي تجرأت واستغلت انشغال الحكومة ومجلس النواب بمناقشة المنافع الاجتماعية للمسؤولين، فأخذت تخطط لقيادة انقلاب عسكري على العملية السياسية ولانها اكتشفت ان قواتها لاتكفي لمحاصرة المنطقة الخضراء فقررت احتلال شارع المتنبي، لكي يجهزوا رواد الشارع ويمدوا يد العون لهم بالسيطرة على كراسي البرلمان.
سيقول البعض: ماذا تريدُ ان تقول هل نصفّق للمحتل الاميركي وهو يتجول بحريته في شوارع بغداد؟ لا ياسادة فالذين صفقوا للاميركان عام 2003، هم لاغيرهم من يشتمون الاميركان اليوم في الفضائيات، ولا تصدقوا انها صحوة ضمير، بل تغيير في بوصلة المصالح.
يطل السياسي العراقي علينا وهو يتحدث عن المظلومية وحق الناس بالأمن والرفاهية، لكنه يتحول في النهاية إلى مقاول يوزع الإكراميات والعطايا والعقود على الأقارب والأصحاب والأحباب.. يكتب ريجيس دوبريه في كتابه "المفكّر في مواجهة القبائل أن: "الناس تدرك جيدا أنّ الخطاب السياسي الانتهازي يتعكّز على فضيلة النسيان التي يتميز بها البشر"فالحقيقة أنّ النسيان، غفر للكثير من مسؤولينا، جرائمهم التي صُنّفت في خانة الخطأ غير المقصود.