TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: مضيفات شقراوات في سوق المغايز

قناطر: مضيفات شقراوات في سوق المغايز

نشر في: 12 يناير, 2019: 07:56 م

 طالب عبد العزيز

في المدن الاماراتية، دبي والشارقة وابو ظبي، التي نهضت بقوة في قطاعات الاقتصاد والمال والعمران خلال عقود قصيرة من الزمن حرص حكامها على تقديم بعضها بوصفها حاضنات ثقافية، حتى أن زائرها لا يبذل جهداً كبيراً لكي ينعم بلمسات الفن والجمال والأناقة في أي مكان يحط فيه، ويبدو للوهلة الأولى إن الحكومة عملت على ان تجعل من المدن قبلة للكتاب وصناعة الحرف، منافسة في ذلك العواصم العربية الشهيرة (بيروت والقاهرة وبغداد) فهي تستقطب المهرجانات والجوائز والفعاليات والانشطة الثقافية والفنية على مدار السنة.
من الطائرة، وقبل أن تحط بنا في مطار دبي، مساء أمس الأول، بدت المدينة كرنفال ضوء، يضفي البحر المحيط عليها لمسة من الجمال، الماء والضوء دالتان على المدن الخليجية. كنت أحصي آيات الجمال والاناقة على مضيفات الطائرة، اللواتي اعلمنا القبطان بانهن يتكلمن أكثر من عشر لغات، فالراكب لا يجد الحرج في طلب ما يريد، وبأي لغة كانت. أعلم جيداً انهن لم يشاهدن البصرة إلا من خلال النافذة وهي تحط، ولا يتصورن المدينة إلا عبر محيط المطار الرملي الحار، على العكس من المدن التي جئن منها، كم سيبدو لهن جميلاً لو انهن اخذن سيارة الاجرة لساعة او لساعتين، متجولات متبضعات!!
معيب على مدننا أن تكون طاردة للإنسان، كل الطيارين والمضيفات والطواقم الطائرين في اجوائنا يخشون من دخول بغداد والبصرة وغيرها من المدن، كل مديري وموظفي الشركات النفطية الاجنبية ورجال الاعمال الاجانب يخشون الدخول الى مدننا، هناك رعب خفي لا من التفجيرات وأعمال العنف، حسب، إنما من الانسان لدينا،الذي ما عاد يتقبل الآخر، المنطوق الديني والحائل الاجتماعي والقانون المعطل والسلوك اليومي والوحشي لدى البعض جعلنا في قائمة الشعوب التي ترفض الاخر. من يعش في دبي مثلاً لا يمكنه تصور طابع الحياة في العراق، والمرأة هي الأكثر تضرراً. نحن بحاجة الى من يعيد لنا الثقة بانساننا، هناك سلوك تجاوزه منطق الحياة.
وجود المراة السافرة بشعرها وببنطلونها الجينز وكعبها العالي وهي تمارس حياتها في السوق والشارع والمقهى والمطعم والنادي الليلي والحديقة العامة رسائل اطمئنان مجتمعية، ووجودها سجينة البيت أو في عيادة الطبيب رسائل رعب. الشارع النظيف والموظف حليق اللحية والثياب الانيقة والتعامل الحضاري في السيارة والمول والمدرسة لازمة حياتية في كل مكان إلا في العراق، الموظف عفيف اليد والشرطي الأمين والطبيب الحريص على حياة الانسان والاستاذ المخلص والمثقف الملتزم بهموم شعبه واشياء هي خاصة التحضر والمدنية مسجات غاية في الاهمية يتوجب تامينها لنهوض اي مجتمع. متى ما تمكنا من بث روح الانسانية، بعيدا عن التطرّف والتشدد والمنفعة الشخصية سيكون بامكاننا التساوق مع الاخرين الذي قطع الاشواط باتجاه النور والعلم. العالم يجري لاقدار ما عدنا نلحق بها بسبب وحشية البعض عندنا، كل سخرية من مشهد جميل عصا في عجلة النمو. هناك من لا يشعر بحزم العصي التي ما زال البعض يعتقد بانها لا تضر. نحن بحاجة الى مؤسسات تعيد بناء الانسان ثانية وثالثة، لا نريد أن نبدو اكثر وحشية من هذه. سأغفو ساعة علني أحلم بعشر المضيفات الشقراوات اللواتي دخلن سوق المغايز وتبضعن حلاوة نهر خوز وتمر برحي دونما اعتراض من المتهورين في السوق ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram