علي حسين
كان ذلك قبل أكثر من نصف قرن، في مثل هذا الشتاء،"لي كوان يو"يقف وسط قبّة البرلمان السنغافوري ليعلن أنهم لايستطيعون تسديد الرواتب لموظفي الدولة، ثم يُخرج ملفّاً يضمّ تصوره لبناء دولة قوية شعارها"بناء مجتمع عادل وليس مجتمع رعاية اجتماعية"كان الناتج السنوي أقل من مليار دولار، ويوم ودّع لي كوان الحياة قبل خمسة أعوام، كانت الأرقام التي نشرتها الإيكونومست عن مؤشر جودة الحياة،على النحو الآتي :"حصلت سنغافورة على الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الخامسة على مستوى العالم، وتمتلك ثامن أعلى احتياطي في العالم"
سيقول البعض يارجل مالك تقلّب بدفاتر الدول"الكافرة، ولا تريد أن تلاحق المثير وتلقي الضوء على الحاضر في دولة مؤمنة مثل العراق توقفت الحال فيها عند كرسيّ فالح الفياض، ياسادة الحاضر في العراق يخبرنا أصحابه أنّ المواطن المغلوب على أمره الذي لاناقة له ولا جمل في معارك السياسيين مطلوب منه أن يتحمل اكاذيب الساسة وخطبهم المزيفة، قبل كتابة هذا العمود بخمسة سنوات ونصف نشرت جريدة البيان لسان حال حزب الدعوة مانشيتا عريضا يقول :"المالكي : بعض الجهات تحاول افشال جهود الاعمار، وارفقته بمانشيت آخر احمر اللون يبشرنا ان الحكومة بدأت مشروع توزيع قطع سكنية للمواطنين..لماذا تذكرت هذا الخبر، لان الحكومة اليوم التي لاتريد ان تعمل من دون وجود فالح الفياض اعلنت ايضا انها ستوزع للمواطنين"قطع سكنية".
حين تكتب الفايننشل تايمز على صفحتها الاولى عام 1965 أن"هناك تنبّؤاً بأن سنغافورة لن تبقى على قيد الحياة أكثر من ثلاث سنوات، ولايوجد في الموقف الحالي ما يوحي بأنها قادرة على البقاء الى يوم غد"يردّ لي كوان وبنفس الصحيفة :"إن البلدان تموت حين تفقد القدرة على توفير الحياة الكريمة لمواطنيها، وبما أننا قررنا أن نعيش أحراراً فلن تختفي سنغافورة من الخارطة"ويقول لمراسل الواشنطن بوست :"المناضلون الذين تناوبوا على حكم بلداننا تحولوا الى نهّابين، ولهذا عندما أقسمت اليمين طلبت من جميع أعضاء الحكومة أن يرتدوا قمصاناً بيضاً وبناطيل بيضاء لنرمز الى الأمانة."
كلّ العالم ينظر اليوم إلى العراق ويضرب كفّاً بكفّ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب عامر الكفيشي وتقلّبات سليم الجبوري إلى الوراء الى مجرد دولة تضحك على المواطنين بمانشيتات حمراء عن توزيع"قطع سكنية"في المريخ!