طالب عبد العزيز
بلغت أوضاع العراق السوء كله، ولم يعد في الافق نجم يُرتجى، هذه بلاد أوصلتنا الى النهاية المحتومة، لأي فعل خاطئ، فمنذ ثلاثة اسابيع، تأتي لجنة رفع التجاوزات، وتبلغ صاحب مكتب العقارات، الذي اشترى بستان النخل في احدى قرى البصرة، ومسح الارض وانبت أعمدة الكهرباء، ومد أنابيب الماء، وحدد مساحات البيوت وووو لتكتب اللوحة التقليدية الشهيرة: (ممنوع التجريف وعليكم مراجعة الدائرة باسرع وقت) لم يذهب تاجر العقارات الى مكتب اللجنة، ولم ولن تحقق معه، إنما قام بمسح ماكتبوا وأعاد عرض بيع قطع الاراضي التي اشتراها ثانيةً، ثم جاءت اللجنة وكتبت العبارة ذاتها، وهكذا ما زالت تتكرر عملية الكتابة والمسح. هو يكتب واللجنة تمسح، حتى باتت صفحة الكرفان الذي هو مكتبه، حائطاً بالوان لا تحصى، يمثل ما يحدث في العراق كله.
الغريب أن دائرة الماء لم تعترض على مد الانابيب، فهي ترسل موظفها ليستوفي الاجور، ودائرة الكهرباء تعاين المشهد، في كل مكان، وتشهد انبات الاعمدة هنا وهناك، وياتي موظفها ليستوفي الاجور ايضاً، ما الذي يحدث ياترى؟ والى اين نحن سائرون؟ تقوم البلدية بتوسعة الشارع لتجعل مرور السيارات والناس آمناً، فيوقف باعة الخضار والفاكهة عرباتهم عليه مضيقين من فسحته، ورجال مركز الشرطة في مخفرهم يعاينون، القائمقام يذهب وياتي ويعاين المشهد كل يوم، ومثل ذلك مع عضو مجلس المحافظة ورئيس اللجنة والمحافظ، كلهم يشاهدون ما يحدث، لكنهم عاجزون، أو لا يأبهون لما يحدث من خراب في البلاد، ما الذي يحدث؟ ولماذا هم مسؤولون في الدولة؟ وما هي حدود مسؤولياتهم إن كانوا مسؤولين؟ وما انتفاع الناس في مسؤول لا يحل ولايربط. خائف وعاجز؟
لمصلحة من تستحدث جملة الوظائف هذه، إذا كان الكل عاجزا وخائفاً؟ ما الذي يفعله المحافظ ورئيس المجلس، وعضو مجلس المحافظة، وعضو اللجنة، ورئيس المجلس البلدي والقائمقام، وما فائدة الشعب في التماثيل والخِرق البالية هذه؟ لن تقوم قيامة امة او شعب بمجموعة عاجزة وخائفة. أتطلع الى الرصيف الذي كمل في بعض المواقع بحملة تجميل وأعادة الحياة الى نهر العشار، فأجده جديدا، جميلاً، محاطا بسور من الحديد المطلي بالابيض فأقول: كم عدد الباعة الذي سيفترشونه؟ كم عدد مولدات الكهرباء التي ستنتصب عليه، بل كم عدد الاعمدة والبيارق واليافطات التي ستحفر مقرنصه وتشوه صورته، التي انفقت الدولة عليها ملايين الدولارات؟ من أجل أن تحسن وجه المدينة الكالح.
عادة ما تشكل الحكومات لجاناً في البلدية، مسؤولة عن تجميل صورة المدينة، وتحرص على اظهارها جميلة، ولو الى حد معين، ومنع تشويهها وترميم ما يتصدع في ساحاتها وارصفتها إلا في العراق، إذ لم أجد مسؤولاً أمر بحبس أو تغريم أصحاب المولادات والمواكب والبسطيات، الذين أمعنوا في الارصفة والشوارع والتقاطعات تحفيرا وتخريباً، قد نعطي المسؤول هذا الحق في منع صاحب الموكب، الذي انبت اثنا عشر بيرقاً في الرصيف، ونصب اثنا عشر قدراً، وجمع اثنا عشر تلاً من الحطب والرماد (فهذا رجل مقدس، ومالُه كله من الحلال، ويتضح ذلك في الثفنة التي في جبهته) لكن، يا ترى، ماذا بشان التاجر الذي أقام مولدة الكهرباء عليه، ماذا عن مئات البسطيات التي شوهت منظره وراكمت الطماطم الفاسدة عليه؟ كم من اللجان الخائرة الجبانة نحتاج لكي نجعل من مدننا نظيفة يا ترى.