علي حسين
في الوقت الذي يستعدّ فيه إمبراطور اليابان أكيهيتو ترك منصبه والتمتع بسنوات تقاعد هادئة مع شعب على قائمة الشعوب المرفّهة، وبعد أن شاهدنا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تودّع العمل السياسي بعد مرحلة مهمة تحولت فيها ألمانيا الى واحدة من أكبر اقتصاديات العالم، ننشغل نحن في بلاد الرافدين بإنشاء مصنع لتفريخ الزعماء، من القائد الضرورة إلى مختار العصر، إلى رجل الحكمة، ورجل المصالحة، والزعيم المقدّس، وليس انتهاءً بالزعيم أبو مازن الذي قرر أبناء مدينته ردّ الجميل له بعد أن حوّل مدينتهم الى أعجوبة تنافس دبي وسنغافورة وتتفوق على هونغ كونغ..ففي لفتة كوميدية قرّر أهالي الشرقاط إقامة مهرجان شعري تحت عنوان”قصائد في حب الزعيم أبو مازن!”..
قبل هذا التاريخ بسبعين عاماً كان من الصعب أن يحلم اليابانيون بتقاعد إمبراطورهم الذي أطلق على نفسه صفة”إله الشمس"، لكن بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية تحول الى إنسان عادي يموت وينهزم، ويحال إلى التقاعد مثل جميع موظفي الكرة الأرضية، لذلك خرج مئات الآلاف قبل أيام يلقون التحية على إمبراطورهم المحبوب وهو يلقي آخر خطاباته التي تمنى فيها أن يعمّ السلام العالم، فالامبراطور الذي رفع شعار السلام والمحبة اولاً، كان يحرص على أن ينبّه أبناء شعبه إلى أن يحموا أنفسهم من ضغائن النفس والأحقاد، في الوقت الذي لايزال فيه عدد من صبيان السياسة في العراق يوزعون صكوك غفران”المساءلة والعدالة”لمن يصفق لهم في الساحات ويرفع شعار ايران اولاً، ولهذا لاتصدق عزيزي القارئ إذا ما قرأت يوماً في الصحف أن نوري المالكي قرر اعتزال السياسة، وأن أسامة النجيفي بعد كارثة الموصل سيعتذر للعراقيين، أو أن إياد علاوي يعترف بأنه يدري أن هناك مشكلة كبيرة يجب مواجهتها بشجاعة، فجميع ساستنا هم أشبه بنجوم ساطعة تذكرنا بالجنة الارضية التي نعيشها بفضل خبرتهم وتفانيهم وحرصهم على المال العام.
ولم يكن باني سنغافورة المرحوم لي كوان يحب إلقاء الخطب، وعندما قرر أن يتقاعد ظل يعشق البناء، بناء المدن وبناء الإنسان، وطوال مسيرته السياسية، لم يظهر واقفاً على منصة ينتظر أن يقام له مهرجان شعري.
يودّع إمبراطور اليابان المنصب مثلما تودّع ميركل السياسة وقبلهما ترك لي كوان المنصب وهم مطمئنون أنهم تركوا بلدانهم في تصالح مع المستقبل. لم يُخونوا معارضيهم، لم يطلبوا من الناس أن تهتف بحياتهم، لم يوزعوا ثروات بلادهم على أقاربهم.