سامي عبد الحميد
في السنوات الأخيرة برز عدد من المخرجين العراقيين ، وربما العرب أيضاً ، في أعمال أما أن كتبوا هم أنفسهم نصوصها أو أنهم أعدوها عن نصوص كتبها غيرهم وذلك بأدعاء القراءة الجديدة أو بحجة الرؤية المتجددة. وقد لاحظنا إنهم في الغالب ، يتحاشون التصدي لاخراج نص مسرحي كتبه مؤلف عالمي مشهور مثل شكسبير أو أبسن أو جيكوف أو شيلر. وابقاءه على حاله وتقديمه بشكل يبعده عن كلاسيكيته أو واقعيته أو الالتزام بأسلوب كتابته ومدرسته.
هذا ما دعاني لأن أتساءل، لماذا؟ وما سبب ابتعاد هؤلاء المبدعين عن خوض غمار المدارس المسرحية المعهودة والإدعاء بالتوجه نحو التجديد وكسر قيود التقليد؟ وكان لابد من اكتشاف المبررات أو الاجابات الصريحة.
النص المسرحي العالمي المشهور يحتاج من المخرج الدراسة المعمقة لا لمحتواه وشكله وأسلوب كتابه ولا لتحليل موسع لشخصياته وأبعادها العضوية والاجتماعية والنفسية وعلاقاتها وأهدافها وحسب، بل إلى دراسة حياة المؤلف ونتاجه الفني وانتماءه لمدرسة معينة. وكل ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت وكثير من الجهد ويحتاج إلى تراكم الخبرة وسعة المعرفة.
مثل ذلك النص عند اخراجه مسرحياً يحتاج إلى توفير مستلزمات قد يصعب توفيرها، ويحتاج إلى تقنيات قد يتعذر تحقيقها ومنها على سبيل المثال، الممثلين المقتدرين على تجسيد شخصياته الدرامية بشكل مقتنع للمتفرج . ويحتاج أيضاً إلى مصممين للمناظر والأزياء والإضاءة على قدر وافٍ من القدرة والكفاءة والخبرة وهم نُدرة.
بعد هذا وذاك ، هناك معايير معينة تخص النص المسرحي العالمي للحكم على مدى تطبيقها من قبل المخرج وقد يُعيب عليه النقاد والدارسون عدم تطبيقها أو النقص في التطبيق ولذلك نراه يبتعد عنه ويلجأ إلى معالجة نص محلي يتناسب في محتواه وشكله وأسلوب كتابته مع معرفته وقدرته الإخراجية ! وبكلمة أخرى، تسهل معالجته ويكون ذلك النص مفتقراً إلى المعايير الفنية أو الأكاديمية التي بموجبها يصدر الحكم على المنجز . وعندما يلجأ المخرج الجديد إلى القيام باعداد نص عالمي واخضاع محتواه وأسلوب كتابته للتغيير بحسب وجهة نظر المُعد فانما يقوم بافراغ ذلك النص من معايير الحكم عليه أو أبعاده عن المدرسة الفنية التي ينتمي إليها.
قد يعترض البعض على هذا الطرح ويقول بأنني أروم تقييد حرية الفنان وأنني أقف ضد التطور والتجديد ، فأرى إن التطور والتجديد لا يعني الفرضى ولا يعني الحرية المطلقة ولا يعني النزوع إلى النزوات ولا يعني تشويه عناصر الجمال التي ابتكرها الرواد واصحاب التيارات الفنية اللاحقة.
وما أسهل على أي من العاملين في المسرح ان يفعلوا ذلك وما أصعب عليهم أن يكونوا أمناء على منجزات اولئك الذين اصبحوا موضع الاهتمام والدراسة ورسخوا المثل. نعم الفنان المسرحي حر في اختيار النص المسرحي الذي يستطيع بواسطته تحقيق طموحاته الفكرية والفنية ولكن عليه أن لا يسيء الى فنانين يشهد لقدرتهم وابداعاتهم العالم بأسره. وعليه أن لا يشوّه أو يمحوا جماليات أصبحت أسساً ومعايير يمكن الرجوع إليها والاحتكام لها.
نعم من حق المخرج المسرحي العراقي أن يختار نصاً كتبه مؤلف عراقي فهو الأقرب في معالجاته لأوضاع مجتمعنا ولكن يبقى المستوى الفكري والفني لذلك النص في عمقه وفي ابتكاره وفي قوة جذبه للقارئ وللمتفرج هو الحد الفاصل في مدى نجاحه.