علي حسين
عندما كتب إدورد غاليانو كتابه"كرة القدم بين الشمس والظلّ"كانت العبارة التي أصرّ على وضعها على الغلاف تقول :"إنّ كرة القدم هي مرآة العالم، تقدم ألف حكاية وحكاية فيها المجد والاستغلال والحب والبؤس"، ولهذا من العبث الادعاء بأنني لم أكن أتابع فصول كأس آسيا، برغم انشغالي مثل كثير من العراقيين بمباريات أخرى تجري داخل قاعة مجلس النواب العراقي بطلها لاعب خط الهجوم الدائم فالح الفياض الذي يصر على أن يرتدي قميص رقم 10 طوال عمره، وشعاره إما التهديف في مرمى البرلمان أو تعطيل الحكومة، ولأننا في خضمّ الأهداف التي تصوّب في شباك هذا الشعب، انشغلنا أمس مع الفيسبوك بهدف آخر موازٍ لهدف فالح الفياض، وهو هدف بسام الراوي في مرمى الفريق العراقي، البعض هلّل وفرح،لأن في الأمرعقوبة للبرلمان والحكومة، وآخرون وهم كثر للأسف خرجوا علينا يشتمون كل ما يتعلق بمدينة راوة، لماذا ياسادة؟ يجيبك فيسبوكي :"لأنهم لم يزرعوا الوطنية، في نفوس أبنائهم!!". أفهم أن ينزعج الكثيرون من التصرف الأحمق الذي قام به اللاعب الذي لم يراعِ مشاعر أبناء بلده الأصلي، وانحاز لبلد منحه الجنسية والرفاهية، لكنّ الذي لا أفهمه أن نجد روّاد الفيسبوك ممن كان يتغنى الكثير منهم بفولتير ونظريته في التسامح، يطالب باستئصال كل أقارب اللاعب ومعارفه، هكذا يراد من العراقي أن لايغادر دولة الكراهية التي تصرّ على أن تجعل من الطائفة هويّة، بديلاً للمواطنة، كراهية تقوم على التمييز بين أبناء هذا البلد على أساس مدى قربهم من هذا الطائفة ودفاعهم عن تلك الطائفة، ولأنها بضاعة فاسدة ومغشوشة فإنّ أصحابها يفسّرون هدف بسام بأنه نهاية المطاف ولولاه لكان للعراق شأن آخر، مجموعات تعتمد على تحويل الخراب الذي تسبب به ساسة حوّلوا الوطن إلى مغارة علي بابا، إلى خطب عن الغيرة العراقية.
أُدرك أنّ المشهد كانَ مؤلماً، شاب يحتفل بخسارة منتخب وطنه، ولكنّي أدرك أيضا أننا جميعا مسؤولون عن هذا المشهد، وشركاء في ما جرى من مهازل. منذ سنوات وهذا الشعب يمارس لعبة"لا أرى لا أسمع لا أتكلم"، ويرفض أن يصدّق أنه يعيش عصر المهزلة بامتياز، استمرّ الخراب 15 عاماً وقُتلت الناس على هويّاتها، وشُرّد الملايين، ونُهبت المليارات، لكننا ظللنا نخرج كلّ أربع سنوات لننتخب"جماعتنا"من اجل ان يسجلوا"كول"ضد مستقبلنا وأماننا ورفاهيتنا.