اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: ليلى العطار الجمال في صورة مطلقة

قناطر: ليلى العطار الجمال في صورة مطلقة

نشر في: 26 يناير, 2019: 08:07 م

 طالب عبد العزيز

في صورتها الجميلة، المتداولة على صفحات الفيسبوك، تبدو ليلى العطار، الفنانة، التي قتلتها الطائرات الامريكية، أيقونة عراقية بامتياز. الوقفة الشامخة، والنظرة العارفة المؤدية، والعينان البابليتان الواسعتان، بقلم الكحل المرسوم بعناية، والصدر المكتنز انوثة، من غير فائض في اللحم .. لا أريد أن أبدو حسياً، أكثر مما تستدعي لحظة الكتابة هنا، لكنني، أجد أن زمناً عراقياً قد إنهار لحظة مصرعها، وهناك مبنى حلمي للجمال كبير، تهاوى.
شخصياً، لم يكن لي حديث معها، فهي منال بعيد، لكنني، أتذكر أنني رأيتها، جالسةً بباب قاعة بغداد للفن التشكيلي، الكائنة عند مدخل شارع الرشيد، من الجهة المقابلة لچيقمقچي، بائع الاسطوانات الشهير، يوم ذاك. إلى الآن، يمكنني استنشاق رائحة سيكارة (الكِنْتْ) البيضاء، الطويلة، التي عرفت بتدخينها، كان ذلك ربما في نهاية الثمانينات. لم تكن إمرأة فنانة، رسامة، جميلة حسب، وقد تكون أقل شأناً من فنانين، كثيرين، في بغداد، حاضرة التشكيل العربي بامتياز، إنما كانت الصورة الكاملة، التي سوّقت في لوحة، بوصفها معنى من معاني الجمال العراقي والإفراط فيه.
وسواء أكان الطيارالامريكي، الذي استهدفت طائرته مبنى المخابرات الملاصق لمنزلها، قد أدرج المنزل، ضمن رحلته المشؤومة تلك، أو لم يدرجه، إلا أنه أتى على لحظة فارعة في الجمال البغدادي.هذه التحفة العراقية، التي كانت قائمة صباح ومساء، كل يوم، بباب قاعة بغداد للفن التشكيلي، لعلنا، لا نستحضر حياتها في البيت، لكنَّ الصورة الباهرة، التي كانت تزين أغلفة المجلات الثقافية والفنية آنذاك، لم تكن عابرة في الحياة العراقية. يقول بعض نقاد الفن بانَّ أعمالها كانت تشي دائماً بإغتراب وحزن عميقين، وعادة ما تتخذ من الطبيعة موضوعاً، وهناك، في أعمالها، وسط الصمت، ثمة جسد يتجه نحو الشمس، وأن عزلتها بلاحدود. ويمكننا جعل صورة حياتها وأعمالها وموتها أيضاً في برواز واحد، ألا وهو العناق الابدي مع الاشجار الجرد، ومع الأرض المحترقة.
مع أنَّ الجميع يقطعون بعدم عائدية صورة بوش الاب لريشة ليلى العطار، وقد تقع حادثة مقتلها خارج المشهد السياسي كله، وأن قدراً سخيفاً كمن لذائقتنا وراء ذلك، لكنَّ تسويق إدارة صدام حسين للحادثة على أنها بسبب الرسمة، كان الاكثر إيلاماً، فقد شاءت المؤسسة الفنية-السياسية أن تعطي صورة أخرى للوحشية الامريكية، هناك، العشرات من الفنانين، الذين لا تبحث الطائرات عن منازلهم، لأنها لا تلاصق مبنى المخابرات، وكثيرون هم، الذين رسموا صورة صدام حسين، فليرسمها أحدهم.
بعد أكثر من ربع قرن على مقتلها نجد أن أي معاينة مخلصة لأعمال ليلى العطار، تعطينا فضاءً في الحرية، لا حدود له، فهي ترسم الجسد الانثوي مجرداً، عالقاً على جذع شجرة، في غابة محترقة، وظلت روحُ الانثى في أعمالها مطلقةً، واثبة، بين لحظتين واهنتين من الثبات والترنح في آن. لم يئن لجمالها استباحة الكون بعد، مع انه كان مهيئاً لذلك، مثلما لم تقْدر الألوان على النفاذ الى بصيرتها بالكامل، ولا يمكننا النظر الى ليلى العطار فنانة ، رسامة جميلة، ذات تبغدد بالغ الوقع، هي لحظة عراقية صادمة لنا، نحن الذين ما زلنا نتطلع الى الجمال في صورة مطلقة على جدار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram