إياد الصالحي
وعادت كأس آسيا للحضن العربي بعد غياب 12 عاماً بفعل الصمود والتحدي اللذين أبداهما فرسان العنابي في ملحمة القمة التاريخية التي منحت قطر امتياز دخول لائحة الابطال بجدارة عبر تاريخ البطولة الممتد منذ عام 1956 حتى الآن.
فوز ولا أروع فجّر الافراح في شوارع الدوحة وبغداد وعمّان ومسقط والكويت وغيرها ابتهاجاً بنصر عربي وإرادة قطرية توجّت جهود اتحاد كفء وجهاز إداري مخلص ومدرب حظي بثقة الجميع ولاعبين كانوا على قدر المهمة في المكان والزمان ولم يخذلوا الجميع برغم قوة المنتخب الياباني الطامح للهروب بصدارة المتوّجين بلقب خامس استعصى عليه نتيجة الطوق الدفاعي والحصار الهجومي الذي نفّذه "الأدعم" طوال الشوطين بلياقة بدنية عالية قلّ نظيرها في مثل هكذا لقاءات حاسمة.
خاض المنتخب القطري سبع مباريات شرسة وسجل تسعة عشر هدفاً وهو نفس رقم فانيلة هدافه الساحر المعز علي صاحب الاهداف التسعة وأبرزها المَقصّية المُبهرة في مرمى اليابان فضلاً عن محافظة حارس المرمى سعد الشيب على هدوء شباكه إلا من كرة "تاكومي مينامينو" هزّتها بخجل معلنة الهدف الشرفي للساموراي الذي لم يكن بالقوة والقيمة المعروف بهما في المباريات الكبيرة وظهر مستسلماً لزعيم البطولة ما بعد هدف الساحر عند الدقيقة 12.
واحد من أسرار تفوق العنابي في مسيرته في البطولة أن البعثة كلها من اتحاد ومدربين ولاعبين وبقية الطواقم الملحقة لخدمة نجاح المهمة عملوا واجباتهم بـ"الكتمان" لم يسمع لهم تصريح ناري، ولا شوشرة فنية، ولا فتنة إعلامية ولا ملاسنة حول قضية غير كروية، الكل خدم الكل، وكان تلاحم القيادة والشعب في دولة قطر مع أبنائهم بمثابة لاعبين أساسيين ضمن الفريق بدعمهما المعنوي الهائل للتخفيف من الضغوط التي واجهت المنتخب منذ أن وصل أرض الإمارات وما تشكّله الأزمة السياسية الخليجية من ارهاصات نفسية ربما بانت تأثيراتها في أكثر من موقف وصورة، لكن حصانة البعثة جعلتها تتصرّف بوعي وحرص بالغين محافظة على أصالة العلاقات مع "أبناء زايد" طوال مدة الإقامة حتى لحظة المغادرة مع الكأس عبر حدود سلطنة عُمان.
أجمل ما في بطولة آسيا 17 النجاح اللافت الذي انتزعت شهادته اللجنة المحلية المنظمة بالتعاون مع الاتحاد الآسيوي للعبة، فقد أثبتت احترافية اللجان وآليات التنسيق السلسة والدقيقة مع إعلامية البطولة وفرق المتطوعين المنتشرة في أرجاء الملاعب الثمانية في ابوظبي ودبي والعين والشارقة أن الإمارات جاهزة تماماً لتضييف بعض مباريات مونديال 2022 بحسب مقترح الاتحاد الدولي لكرة القدم إذا ما تعذّر على القطريين إقامة نسخة كأس العالم - لوحدهم - بمشاركة (48) منتخباً لأول مرة في تاريخها.
حقاً، تستحق التجربة القطرية في كأس آسيا 2019 أن تكون أمثولة للمنتخبات في القارة وخاصة الكرة العربية التي تقف مُحرجة أمام استحقاق عالمي جديد (تصفيات مونديال 2022) مع ملاكات فنية متباينة القدرة والشجاعة والنباهة التكتيكية في مدى منحها الثقة أو استبدالها بملاكات أخرى، ولعلّ أسود الرافدين هم الأكثر حراجة بين الجميع بوجود مدرب لا يُحسن التصرّف في الاوقات الحاسمة مثلما قضى دقائق الوقت الاضافي أمام قطر سرحاناً مع مواطنه المدرب المساعد العجوز (بلادو) فضلاً عن مزاجية تعامله مع اللاعبين الاساسيين وسوء اختيار تشكيلاته وتحفظّه في أكثر من مباراة بأسلوب دفاعي غير مبرّر ولا يتناسب مع حيازته عناصر شبابية متحمّسة اعتادت مع مدربين وطنيين على التوازن بين مهماتها الدفاعية والهجومية في محور العمليات وغيرها من النقاط المشخّصة ضده التي لا تشجّع المراهنة على إمكاناته للخلاص من إخفاقات الأسود المتكررة.
وحتى عام 2023 موعد إقامة البطولة 18 من المونديال الآسيوي، نتمنى للكرة القطرية مزيداً من النجاحات والاستقرار في الاستحقاقات المقبلة وللكرة العراقية التوفيق والنجاح مع مدرب كفء بمستوى التحدي والمتغيرات الطارئة على منتخبات القارة (قيرغيزستان وفيتنام والهند أُنموذجاً) وتلوّن المدارس التدريبية العاملة معها، فالاجيال الكروية لا تُصنع بيُسر وسرعان ما تندثر إذا ما استدامت حيويتها بمنجزات كبيرة ودُعمت بالاموال والمعسكرات والوديات الدولية النوعية، وهكذا بالنسبة للمنتخبات العربية التسع التي رافقت قطر والعراق في الإمارات نتمنى لها مراجعة الدرس ومعالجة الإخفاق بحلول وقرارات متروية.