علي حسين
بعد 44 عاما على رحيلها لاتزال أم كلثوم علامة من علامات الزمن الجميل ، وعَلماً من أعلام هذه الأمة التي استبدلت انت عمري بخطب الكفيشي والقرضاوي ، وكلمات الغزل بوصايا جهاد النكاح ، كانت للست جمهوريتها ومواطنون يرددون معها كل مساء وهي تشد على منديلها: "خذ عمري، عمري كله إلا ثواني أشوفك فيها" ، في عصر ام كلثوم كانت مصر ومعها بلدان العرب تبشر بثقافة جديدة تتمرد على ثقافة الغيب وعلوم الآخرة، إسماعيل مظهر يترجم داروين الى العربية وشبلي شمل يبشر بأفكار ماركس وأنجلز ، وسلامة موسى يكتب عن سوبرمان نيتشه، فيما الرصافي يكتب عن الاشتراكية بأنها :" وعد بمجتمع، لا سيد فيه ولا مسود،، يأخذ كل من فيه حقه بغير زيادة، ويعطي فيه كل حقوق الآخرين بغير بخس، وينتهي فيه طمع الطامع، كما ينتهي فيه حب الرئاسة ونزاع المتنازعين على مراكز التصريف والتدبير، فلا يحق لأحد أن يعتبر نفسه أنه أحق بهذه المراكز من أخيه " في ذلك الوقت أصر الزهاوي على ان يقود معركة السفور ” الى النهاية وهو يردد :
مزّقي يا ابنــــة العـــراق الحجابـــــــا
اســـفري فالحياة تبغي انقلابـا
اليوم نتذكر درس أم كلثوم عن الحب والفرح والمسرة ، حين نجد لبنان يضع أول امرأة على كرسي وزارة الداخلية ، بينما سلمنا هذا الكرسي لسنوات طويله الى عدنان الاسدي ثم كرمناه فسلمناه اللجنة الامنية في البرلمان ، دون ان يسأله أحد عن دوره الرئيس في فضيحة جهاز كشف " الزاهي " .
في الشكل نبدو دولة حضارية متقدمة، النساء حصلن على نسبتهن في البرلمان، فيما الواقع يقول إننا لا نعترف للمرأة بحق إلا حق الحمل وترضية رغبات سيد البيت. في الجوهر نحن وطن لا يحترم المساواة، ولا يرضى رجاله إلا بحق واحد هو السيطرة على كل شيء وأي شيء.
مشكلة الذين خاضوا حول السياسة هذه الأيام أنهم بلا ذاكرة وبحاجة الى من يقرب لهم وقائع التاريخ، ومشكلتهم أنهم يخرجون غالبا بنتائج واحدة، وهي أن الحاضر أفضل بالنسبة للمرأة، وأكثر وعداً، وأكثر تقدماً. ولا أعرف كيف ينظرون إلى مثل هذه الظاهرة، خصوصا أنهم لم يعرفوا التاريخ الذي يتحدثون عنه، صحيح أن المرأة لم تصل إلى البرلمان بهذه الكثافة ، لكن نزيهة الدليمي كانت أول وزيرة عربية .
لا أعرف أوجه للمقارنة ولكنني أرى أن العراق الذي يتباهى قادته بأنه قاد عرس الديمقراطية في المنطقة، يحرم نصفه الجميل من حقه في أن يتولى مناصب وزارية ، متناسين أن لاعرس حقيقياً من دون " نون " النسوة!