لطفية الدليمي
هناك موجة متعاظمة من الكتب المنذرة بالمخاطر التي تواجه أو ستواجه كوكبنا في القريب العاجل من بينها كتاب ( الممانعة ) الذي كتبه الروائي والفيزيائي الأرجنتيني الراحل ( أرنستو ساباتو ) و قدم فيه رؤية أخلاقية وفكرية ضد الانحطاط الذي داهم كوكبنا وشمل كل شيء حولنا،وجعلنا نعتقد خطأ أننا نتواصل مع أبناء جنسنا عبر عولمة الإعلام ،غير أن الحقيقة مختلفة تماما على أرض الواقع ، فنحن ننفصل عن الواقع والجماعة البشرية ونعيش في حشود منغلقة ودعانا ساباتو أن لانذعن لموجات التخدير التي يسببها الضجيج الإعلامي وهي تحولنا الى كائنات بليدة مستنفدة القوى.
وثمة كتب اخرى تنذرنا بمخاطر هيمنة الروبوتات والذكاء الإصطناعي وإمكانية فقدان السيطرة من قبل البشر بحدود سنة 2040.
يتخذ عالم الاجتماع والمفكر الفرنسي إدغار موران سبيلاً مماثلاً لتوجهات ساباتو إنما من وجهة نظر فيلسوف يهمه مصير البشرية والمخاطر المحدقة بها في القرن الحادي والعشرين.
يرى أدغار موران في تقديم كتابه التحذيرى ( هل نسير إلى الهاوية ) أن مصير كل فرد على وجه هذا الكوكب الجميل اليوم بات محكوما بمصير أرضي جماعي وهو مصير كارثي مالم نتدارك الأمر ونبتكر الحلول الناجعة، فنحن نواجه المشكلات الحيوية ذاتها كجنس بشري وتواجهنا التهديدات المميتة في سباق كوكبنا المتفاقم نحو التصنيع، وانغماس البشرية في مجالات العولمة والتغريب والنموغير المسبوق في بعض الدول و الفقر غير المسبوق في دول فقيرة أخرى تزداد جوعاً وتخلفاً.
يركز أدغار موران على أن هذا السباق المتسارع يضع مجتمعاتنا التقليدية في أزمة ،ولاتستثنى من الأزمة ذاتها مجتمعات الحداثة في الغرب والشرق . ويرى أن فكرة التقدم الملهمة التي كانت تبدو لنا حتى عقود قليلة ماضية وكأنها القانون الجبار الناظم للتاريخ ، وهاهي اليوم تترك مكانها للشك والمخاطر وصنوف التهديدات المستجدة التي حذر منها العلماء والفلاسفة والمفكرون.
يعلن موران خيبته من موجة الحداثة التي طبعت القرن العشرين بمنتجاتها التقنية ويقول : ( لقد استشرت الحروب على كوكبنا وغلُبت على معظمها الأسباب والدوافع العرقية والدينية وأينما اتجهنا يتراجع النظام وينتشر العنف في جهات كثيرة )فالكوكب يمضي نحو الكارثة بوتيرة متسارعة قد لانجد الوسيلة والسبل المتاحة لتفادي وقوعها. يشير موران في التفاتة منه إلى عصر مابعد الأنوار إلى أن المحرك الرباعي الذي يتكون من(( العلم والتقنية والاقتصاد والربح )) كان مقدرا له أن يحقق التقدم للبشرية كما تخيلته عقول عصر التنوير ، غير أنه أضحى منذِراً بتوجيه مركبتنا – كوكبنا الأرضي – نحوالكارثة لعدم وجود ربان ماهر وحكيم يقودها نحو السلامة بل أنه صار تهديدا بموت مزدوج : موت المجال الحيوي للأرض باستنزاف غاباتها وتعريض معظم الكائنات الحية للانقراض إلى جانب خطر الموت النووي .فقد انقلبت الامورعلى نقيضها، بعد أن كان العلم ينير ظلمات العصور والعقول صار سبباً لعمى البصائر وأصبح العلم المنفلت وحشاً يهدد البشرية بخاصة في مجال التعديل الجيني للأحياء والتقنية الفائقة التي طوّرت الآلات الخاضعة لمنطق آلي خالص، مازلنا نؤمن أن بوسعها خلق آلات أفضل تدرك مزيداً من تعقيدات العلاقة بينها وبين البشر، ومن جهة أخرى سنأمل أن يتغير نموذج الاقتصاد المحكوم بنزعة التنافس الذي تقوم عليه الليبرالية الجديدة ويتيح إمكانات جديدة مثل التجارة العادلة والاقتصاد التضامني أو مايسمى اقتصاد المواطن.
برغم تحذيرات الفلاسفة والمفكرين والعلماء من الكارثة المتوقعة، إلا أن الدول الكبرى تواصل اللامبالاة إزاء التلوث والاحتباس الحراري وتمضي قدماً في السباق النووي المنذر بالفناء الشامل.