TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شناشيل: في مسألة مجلس الخدمة العامة!

شناشيل: في مسألة مجلس الخدمة العامة!

نشر في: 12 فبراير, 2019: 08:32 م

adnan.h@almadapaper.net

 عدنان حسين

عشر سنوات، هي ثلثا عمر النظام الحالي، عطّلوا فيها العمل بمجلس الخدمة العامة وقانونه، مع أنه من الأركان الرئيسة لإقامة دولة مستقرة مستندة الى مبادئ الكفاءة والمساواة والعدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص التي طالما نادوا بها، ونصّ عليها دستور 2005 الذي كتبوه بأنفسهم وألزم الدولة بكفالتها لجميع العراقيين والعراقيات بصرف النظر عن القومية والدين والمذهب والاتجاه السياسي ولون البشرة والمنحدر الاجتماعي.
الفاسدون والمُفسدون الذين أمسكوا بقرون الدولة كلّ هذه المدة، هم الذين ركنوا هذا المجلس وقانونه جانباً، مثلما وضعوا الغالبية العظمى من أحكام الدستور والقوانين التي شرّعوها بأنفسهم وراء ظهورهم.
في ظنّي أنّ من أهم أسباب تعطيل العمل بهذا القانون أنّه يتضمّن بنداً ينصّ على ألّا يكون المتقدم الى وظائف رئيس المجلس ونائبه وأعضاء المجلس، وهي جميعاً بدرجة وزير أو درجة خاصة، محكوماً عليه بجناية أو جنحة مخلّة بالشرف. هذا الشرط ليس بدعة ليُوقف العمل بالقانون بسببه. الدولة العراقية الحديثة منذ إنشائها مطلع القرن الماضي تحرّم إسناد الوظيفة العامة، حتى لو كانت بأدنى الدرجات، الى المحكوم بجناية أو جنحة مخلّة بالشرف كالسرقة والرشوة والاختلاس والاحتيال والتزوير وخيانة الأمانة. شخصياً كنتُ قد تعيّنت في وظيفة حكومية في العهد السابق (السبعينيات) عن طريق المجلس الذي أعلن عن الوظيفة فتقدّمنا نحو خمسة عشر طالب وظيفة من الاختصاص عينه (الإعلام) وخضعنا لامتحان ملتزم بصرامة قواعد المهنية، وصارت الوظيفة من نصيبي (تركتها لاحقاً لأتفرغ للعمل الصحفي الحرّ)، مع أنني لم أكن محسوباً على النظام، بل كنتُ معروفاً بمعارضته، وكان بين المتنافسين أحد المحسوبين على النظام (بعثي). حتى نظام البعث لم يجرؤ إلى حدّ معيّن على تجاوز وجود المجلس وقانونه وقواعد التوظيف عن طريقه.. نظامنا الحالي فقط هو الذي جعل الدولة "خان جغان" وحوّل المجتمع الى ما يُشبه "الطولة" (زريبة الحيوانات) لنبلغ في نهاية المطاف هذا المستوى من الانحدار التام الشامل!
على مدى السنوات العشر الماضية تعيّن في مناصب الدولة العليا والخاصة المئات من الأشخاص ممّن يتعارض تعيينهم مع أحكام هذه المادة من قانون الخدمة العامة ومع أحكام الدستور والقوانين النافذة... مرتشون وسرّاق ومختلسون ومزوّرو مستمسكات رسمية ووثائق وشهادات دراسية جرى تعيينهم تجاوزاً على أحكام هذا القانون وسواه من القوانين .. عيّنهم المسؤولون الأكبر في الدولة، من رؤساء جمهورية ومجلس نواب وحكومة ونواب لهؤلاء الرؤساء ومن وزراء ووكلاء وزارات ورؤساء هيئات ومؤسسات ونواب ومحافظين وزعماء أحزاب، لتحقيق مصالح مادية ومعنوية، شخصية وحزبية واجتماعية، بما فيها قبض رشى، وبعضهم عُيّن "بالوكالة" تحايلاً على القوانين لمدة من المفترض ألّا تتجاوز الستة أشهر، لكنّها تحوّلت الى مدة مفتوحة لسنين مستمرة حتى اليوم. هذه الظاهرة برمّتها انطلقت وتفشّت خصوصاً في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لكنّها استمرت بعده برغم تعهدات خليفته العبادي، والآن عبد المهدي، بوقفها!
القضية الآن، كيف سيجري التعامل مع المتقدمين الى وظائف ديوان مجلس الخدمة ومجمل الوظائف التي سيُعلن المجلس عنها لاحقاً؟ إذا ما التزم المجلس شرط عدم ارتكاب جريمة مخلّة بالشرف؟.. ألا يكون هذا انتهاكاً لأحكام الدستور الذي كفل مبادئ المساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص؟. كيف سيتعامل المجلس والحكومة إذا ما شكاهما أحد المتقدمين المرفوضين بحجّة ارتكاب جريمة مخلّة بالشرف فيما جهاز الدولة، بما فيه دوائر تابعة لمجلس الوزراء والأمانة العامة له ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب والهيئات "المستقلّة" والمؤسسات العامة ودواوين المحافظات، بأشخاص محكومين بجرائم مخلّة بالشرف؟.. هناك العديد من الوزراء والنواب والمحافظين وسواهم ممّن سبق أن صدرت في حقهم أحكام من هذا النوع ثم شُمِلوا بقانون العفو العام فعادوا إلى وظائفهم السابقة. وإذا اعترض المرفوضون لدى محكمة القضاء الإداري أو لدى مجلس القضاء، ماذا سيكون موقف هذه الجهات؟ ..ّهذه قضية ليست بذات شأن قليل، ولا يصحّ أن تتعامل معها الحكومة الى الأبد بالتغافل، فثمة جريمة في حقّ الدستور والقوانين النافذة تُرتكب على هذا الصعيد، وهي ليست من النوع الذي يسقط بالتقادم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram