إيناس طارق.....تصوير/ مهدي الخالديوسط الزقاق الضيق الواقع في منطقة الكسرة والمشهورة بالحلة البغدادية الشعبية القديمة، لم ينفك المارة من المواطنين عن سماع صوت قطع لعبة الدومينو، وهي تطرق بعصبية على طاولة مقهى إبراهيم عرب، يليها صراخ الشباب بإعلان الفوز، ليعلن الفريق الفائز عن تمتعه بشرب الشاي والنراجيل بالمعسل المستورد ذي(التفاحة او التفاحتين)
تقابله مناقشة وضجيج لا يخف من سماع صوت الأخبار من التلفاز الذي اعتلى واجهة المقهى الداخلية، وما ان يحل الليل حتى يخفت كل شيء ويصيب المكان الهدوء والسكينة.فهل أصبحت المقاهي البغدادية القديمة تراثا حضاريا نستذكره بين الفينة والأخرى،خاصة بعد ان غدت وتحولت المقاهي البسيطة الى مقاه تسمى (كوفي نت) او قاعات للعب البليارد إضافة الى كافتريا خاص لاحتساء مختلف أنواع المشروبات.أقدم مقهى في بغداديذكر الباحثون ان أول مقهى شيد في بغداد هو مقهى (خان جغان/عام 1590) في عهد الوالي العثماني (لة زداه سنان باشا) فضلاً عن مقهى او كما كانت تسمى سابقا (قهوة الشط) والمطلة على شاطئ نهر دجلة من جانب الرصافة والتي أسست عام 1875 في العهد العثماني أيضاً، وكانت هذه المقهى تشهد جلوس العديد من المواطنين المتعطشين الى سماع الأغاني التراثية القديمة،وسماع القصون (الراوي الشعبي) الذي كان يحكي حكايات ومغامرات عنترة ابن شداد وأبو زيد الهلالي،وغالبا ما كانت هذه الجلسات تكثر في شهر رمضان ومساءات الخميس من كل أسبوع.ومن ثم تطور مفهوم المقاهي الشعبية ولا يكاد يخلو حي من مقهى في احد أزقته، وحسب ما يروي الكاتب باسم حمودي، عن ذكرياته لمقاهي بغداد حيث قال: كانت المقاهي البغدادية القديمة مكاناً يلتقي فيه خليط من فئات المجتمع العراقي المختلفة،ان كانوا صناعاً او حرفيين وحتى سائقي السيارات وتقريبا جميعهم يكاد ينتمون الى محلة واحدة،وهناك مقهى كان يلتقي فيه أناس من خارج العاصمة بغداد ويدعى مقهى البيروتي الواقع في جانب الكرخ عند ساحة الشهداء وكان هذا المقهى كبيراً مقارنة بالمقاهي البغدادية الأخرى.rnمقاهي شارع الرشيدوحقيقة وحسب ما يذكر التاريخ البغدادي القديم، ان عدد المقاهي البغدادية كان كبيراً جداً لكن الشيء الذي يميز احدها عن الأخرى، والتي أخذت حيزاً من اهتمام المفكرين والأدباء والناس العاديين هو بعض الأسماء منها مقهى عارف اغا الواقع في شارع الرشيد، مقهى إبراهيم عرب والواقع في محلة الكسرة، إضافة الى مقهى البلدية المواجه لوزارة الدفاع قرب جامع الأحمدي، فضلاً عن مقهى الزهاوي،حسن عجمي في منطقة باب المعظم والتي سميت بعد ذلك بمقهى الرشيد كذلك مقهى البرازيلية والتي كانت تقدم القهوة البرازيلية المميزة بطعمها الرائع وكان يلتقي في البرازيلية في خمسينيات القرن الماضي عدد من الأدباء والكتاب منهم عبد الملك نوري،فواد التكرلي، حسين مردان والمؤرخ جواد علي ورشدي العامل، إضافة الى عبد الوهاب البياتي وعدد من الكتاب والشعراء، والكثير من المقاهي الأخرى مثل (مقهى السويس) المقابلة لمكتبة مكنزي في شارع الرشيد وكانت من المقاهي الراقية جداً وتقدم أرقى أصناف الحلويات والقهوة لهذا من روادها أشخاص معدودون ومن طبقة الأغنياء، بينما كان مقهى المعقدين يرتاده من الأدباء من يعتبر نفسه هو الأفضل أمثال فاضل العزاوي، عادل عبد الجبار سركون بولص.اما مقهى الشهبندر والذي كان يعتبر أساساً مقهى المحامين والقضاة،بينما كان مقهى ام كلثوم ولا يزال حتى يومنا هذا يطرب رواده بأغاني كوكب الشرق ام كلثوم الفريدة والنادرة.وجميع هذه المقاهي القديمة كانت محطة جلوس غالبية الأدباء والمفكرين وتشهد مناقشاتهم الأدبية والسياسية ويكاد لا يمر أسبوع دون ان تشهد هذه المقاهي مظاهرات منددة بالاستعمار الانكليزي آنذاك.rnالمقهى والمقام لكن مع الأسف الإعداد الكبيرة لهذه المقاهي وغيرها ذهبت مع الريح بسبب تطور الزمن واختلاف الجو السياسي وتغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحديدا المقاهي الواقعة في شارع الرشيد فقد أصبح الشارع تجاريا وبمرور الوقت عم الطابع الاقتصادي عليه وجاء عالم البونتيكات ليحتل محل كل شيء قديم، فضلاً عن حصول أصحاب المحال والمقاهي السابقة على إيجارات مرتفعة فضلا عن قلة ارتياد هذه المقاهي فبعد ان كانت مكانا أسبوعياً لسماع المقام العراقي الأصيل وبصوت يوسف عمر، عبد القادر حسون، حمزة السعداوي، وكان للمقام مساحة واسعة في المقاهي، وشهدت منطقة الميدان مقاهي للمقام العراقي احتضنت عبود الكرخي والقبنجي والقندرجي، إضافة الى ان هذه المقاهي كانت تمثل المتعة والتلاحم لحياة الشعب الواحد المتمثل بكل شرائحه وهذا ما أعطى للمقهى أهمية وأثرا في حياة الناس بكل شرائحهم فالكل يجلس بائع البلابل والسائق والمستطرق والأديب والمفكر والسياسي والعامل والعاطل عن العمل فكلهم سواء في جلوسهم على المقاعد لانهم يمثلون شريحة مختلفة من الشعب العراقي الأصيل ومسموح للجميع المشاركة في سماع الأغاني والحديث باي موضوع كان.rnالمشروبات التي تقدم للزبائنوغالبية هذه المقاهي البغدادية القديمة كانت تقدم لزبائنها الشاي المهيل والدارسين،وشاي كجرات المميز باللون الأحمر، وبعض المرطبات مثل السيفون والذي يكون عبار
المقاهي البغدادية القديمة..من أماكن لمناقشة الثقافة وسماع المقام الى قاعات للبليارد
نشر في: 26 إبريل, 2010: 06:13 م