ترجمة حامد أحمد
مساحة الأرض في جنوبي العراق الواقعة ما بين نهري دجلة والفرات العظيمين ، منطقة معروفة بتربتها الغنية الخصبة وعلى مر آلاف السنين كانت أحد اكثـر المناطق الزراعية خصوبة على وجه الأرض ، تتعرض الآن للجفاف . كثير من المزارعين بدأوا يغادرون المنطقة. الصيف الماضي كانت هناك احتجاجات غاضبة في البصرة ومناطق أخرى في الجنوب حول شحة مزمنة في مياه الشرب ومشاكل متزايدة في شبكات الصرف الصحي.
مع ذلك وبرغم هذه المشاكل البيئية فان المهندس المدني والناشط في مجال الحفاظ على البيئة ، عزام علوش ، الذي يعتبر أحد الشخصيات الرائدة ضمن حركة فتية للحفاظ على البيئة في العراق ، ما يزال متفائلاً.
يقول الناشط البيئي علوش " الناس لا يعطون الطبيعة حقها ليجدون كيف هي طيعة ولينة . يمكن للعراق مع اتباعه لسياسات صحيحة ، أن يدير ويسيطر على تجهيزاته المائية ويصبح كما كان في الازمنة الماضية ، سلة غذاء الشرق الأوسط."
ولد ، علوش 60 عاماً ، في مدينة الناصرية جنوب شرقي العراق . ويستذكر كيف كان في طفولته يبحر في قارب صغير هو ووالده ، الذي كان يعمل مهندس ري ، عبر أهوار العراق الجنوبية.
ويؤكد قائلا " كانت قطعة من جنة ، مليئة بالأسماك والطيور والجاموس وهي ترعى على اليابسة بين قصب البردي."
في أواخر السبعينيات ذهب ، علوش ، الى كاليفورنيا للحصول على شهادة الدكتوراه في مجال الهندسة والبدء بمهنة ناجحة كمهندس مدني.
وقال علوش " لقد تعلمت التفاؤل في عملي ولدي مبدأ اعتمدت عليه هو إنه أستطيع أن أحقق شيئاً اذا توفرت الإرادة والتفاؤل وبقيت على هذا الحال اواجه الصعوبات عبر السنين."
خلال فترة التسعينيات لجأ النظام السابق الى تجفيف الأهوار بسبب حملات أمنية ضد أهالي الجنوب . وعقب سقوط النظام في 2003 عاد علوش الى العراق قادماً من الولايات المتحدة . وقام بتأسيس جمعية ، طبيعة العراق ، المعنية بالبيئة وسخر كل خبراته الهندسية لهذا المشروع وأصبح أحد الشخصيات الرائدة وراء عودة غمر منطقة الأهوار بالمياه .
وأضاف الناشط البيئي قائلاً " الناس المحليين ، الذين هم جزء من الثقافة السومرية القديمة ، قاموا بالجزء الأكبر من العمل بانفسهم من خلال حفر الخنادق والقنوات وأرجعوا الماء مرة أخرى الى جزء كبير من الأهوار . مشيراً الى ان الوضع كان يدعو للبهجة بان نرى عودة للحياة بكل غنى تنوعها البيئي.
في العام 2016 تم إدراج الاهوار ضمن موقع التراث العالمي لليونسكو حيث وصفت المنطقة على إنها فريدة من نوعها و أحد أكبر المسطحات المائية الداخلية في العالم ذات تنوع بيئي كبير.
ولكن الاهوار ومع مساحتها التي تقدر بمئات الآلاف من هكتارات الاراضي الزراعية التي كانت سابقا خصبة في جنوبي العراق تتعرض للتهديد مرة اخرى.
تغيرات مناخية بدأت تلقي بظلالها على المنطقة بأجمعها . صيف عام 2018 كان الأكثر حرارة وجفاف بشكل قياسي في المنطقة . واضطرت الحكومة عندها بفرض حظر على زراعة المحاصيل التي تحتاج الى وفرة مائية مثل الرز والحنطة في وقت أصبحت فيه التربة وقنوات المياه أكثر ملوحة.
الكثير من منظومات خزن المياه والقنوات الاروائية دمرت خلال حروب العراق . وبالافتقار الى مشاريع الاستثمار في تطوير البنى التحتية مع الفساد والبيروقراطية المعوقة جميعها عوامل ساعدت في تفاقم المشاكل في المنطقة.
زادت مشاكل شحة المياه حدة لسنوات مع قيام تركيا وإيران ببناء سدود على منابع نهري دجلة والفرات وكذلك المنابع المغذية لنهر الزاب الكبير في كردستان.
وسجل تدفق مياه نهر دجلة للعراق أدنى مستوى قياسي له الصيف الماضي ، وللمرة الاولى في التاريخ الحديث يكون فيه سكان بغداد قادرين على عبور نهر دجلة مشياً على الأقدام من منتصفه.
ويقول علوش " في الأزمنة الماضية كانت المياه المتدفقة لنهري دجلة والفرات تولدان فيضاناً سنوياً في جنوبي العراق . وكان الفيضان يجلب المادة الغرينية التي تساعد في إحياء التربة وتزيل الاملاح المتراكمة بسبب التبخر . هذا النمط السنوي من تدفقات المياه تعتبر معجزة للطبيعة بقت مستمرة على هذا الحال على امتداد 8000 سنة منعشة بها الزراعة . وكذلك تروي الفيضانات الأهوار التي تؤدي الى نمو القصب والبردي ووفرة في الأسماك وتنوع الطيور.
وأكد قائلا " سبب هذا الضرر هو عدم بناء سد وكذلك تغير المناخ .قبل سنوات كانت قنوات مياه يتم انشاؤها للابحار ومرور السفن الى الفرات وهذا ما سمح بدخول أملاح مياه البحر . كل ذلك ناتج عن إزالة الضخ السنوي للمياه عبر الفرات ودجلة ." مشيراً الى أن العلاج الوحيد لمشاكل مياه العراق هو اجراء ترتيبات ومفاوضات مع البلدان المتشاطئة معه وبالأخص تركيا .
يقول الناشط البيئي علوش إنه بما أن تركيا تسيطر على منابع نهري دجلة والفرات فهذه حقيقة لا مفر منها وعلى العراق ان ينشئ تحالفاً مائياً عبر الحدود مع تركيا لأجل تأمين حصته من المياه مقابل تزويد تركيا بالنفط والغاز . مشيراً الى أن العراق يخسر مليارات من الامتار المكعبة سنوياً من المياه بسبب التبخر . في حين احتياطيات تركيا من المياه لا تتعرض للتبخر كثيراً لأنها غالباً ما تكون مخزونة في أودية عميقة يغمرها الظل وليس كما هو الحال في العراق.
من خلال تأمين العراق لحصته المائية بهذه الطريقة يعتقد الناشط ، علوش ، إنه يمكن للعراق استعادة نشاطه الزراعي مرة أخرى . وليس هذا فقط بل يستطيع البلد أيضاً أن يتحول الى محطة لتوليد الطاقة الشمسية.
يقول علوش إن معدل الأيام المشمسة في العراق بحدود 340 يوماً بالسنة ، أكثر بثلاث مرات من دول الاتحاد الاوروبي . مشيراً الى كمية الطاقة التي يمكن أن نولدها من أشعة الشمس بحيث ان نجهز الفائض منها تركيا وحتى بلدان شرق أوروبا.
بقلم : كيران كووك عن مدل ايست آي