بلال الجوادي / بيت الحكمةيعد مشروع إسقاط الاصفار الثلاثة من الدينار العراقي مشروعا ستراتيجيا ينسجم مع التطور الذي يتوقع أن يشهده الاقتصاد العراقي في المرحلة المقبلة. وهذا الإجراء ليس جديدا في التجارب الاقتصادية العالمية ، فهناك تجارب كثيرة كان أبرزها تجربة المانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
حيث حل الرايكسمارك محل المارك ثم حل الدوج مارك محله. وفي عام 1924 كان الرينتين مارك الجديد يعادل تريليون×1210 من الماركات القديمة. وفي هنغاريا حل الفورنت محل البينكَو، وفي النمسا حل الشلن محل الكراون ، وأخيرا حذفت تركيا في السنوات الأخيرة ستة أصفار من عملتها.وتعد عملية حذف الأصفار الثلاثة من الدينار العراقي عملية إجرائية نهائية لعلاج ظاهرة التضخم التي أصابت الإقتصاد العراقي خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ، حيث تسارعت معدلات التضخم بوتائر خطيرة لتصبح من أكثر المشاكل الاقتصادية الضاغطة . فالتكاليف الباهظة للحروب تعد من أقوى مصادر الضغوط التضخمية.وبالفعل فقد ازداد الرقم القياسي لسعر المستهلك ثلاث مرات في عقد الثمانينيات، وارتفع زهاء (300) مرة خلال الفترة (1991-2002 ( ، وقد أنهكت الحكومة الاقتصاد بمجهودات إضافية من خلال مضاعفة الإنفاق الحربي. وفي مثل هذا الاقتصاد المثقل بالإنفاق الحربي فان النفقات الحكومية الإضافية، أيضا لها دور في رفع أسعار الناتج، وبالتالي فان الزيادة المستمرة في النفقات العامة قادت إلى ميل مستمر لزيادة الأسعار والتضخم. ونتيجة للاختلالات الهيكلية واستنزاف الاحتياطيات الأجنبية وصل سعر الصرف عام 1995م إلى أكثر من (2800) دينار لكل دولار، ثم تحسن قليلا بعد تنفيذ مذكرة التفاهم مع الأمم المتحدة عام 1996 ، وفي عام 2003 وصل إلى قرابة (1896) ديناراً لكل دولار.وينبغي التأكيد على أن علاج ظاهرة التضخم ينبغي أن يسبق عملية حذف الأصفار وأن تتضافر فيه جهود السياستين النقدية والمالية لتحقيق هذا الهدف ، فالضغوط التضخمية ربما تنشأ من عدد من الأسباب تعمل في آن واحد رغم أنها تختلف من حيث النوع والدرجة من بلد إلى آخر وفي البلد نفسه من وقت لآخر. والمدخل النقدي يرى أن السلطات المسؤولة عن عرض النقد يجب أن تتبنى المستويات المستهدفة للزيادة في عرض النقود بحيث تكون منسجمة مع معدل الزيادة في الناتج القومي ثم تحاول إجراء تخفيضات للتوسع النقدي متوافقة مع المستوى المستهدف. وإذا ما علمنا أن للتضخم أسبابا عدة فينبغي العلم بأن علاج كل نوع من هذه الأنواع يختلف شيئا ما تبعا لاختلاف النوع، فإذا كان سبب التضخم هو الإفراط في الإنفاق الحكومي الممول عن طريق العجز بالموازنة وما يترتب عليه من زيادات متعاقبة في عرض النقد وارتفاعات في الأجور والرواتب ، فان العلاج لا يكون ناجحا إذا فكرت الحكومة بتخفيض النفقات فقط أو عرض النقد كما يوصي به المدخل النقدي. فالسياسات النقدية والمالية التقييدية هي المعالجات النمطية عندما يكون السبب هو فائض الطلب ، ولكن هذا النوع من السياسات لا يمكن استعماله بحرية عندما يكون السبب تضخم الكلفة.وبعد تمتع البنك المركزي العراقي باستقلاله الحقيقي بموجب قانونه الجديد أعطى هدف استقرار الأسعار وخفض معدلات التضخم الوزن الأكبر في ستراتيجية السياسة النقدية ، ويعد مزاد التحويل الخارجي الأداة المتوفرة في ظل الظروف الراهنة للسيطرة على التوسع النقدي، ومن خلال المزاد تتم تغطية تكاليف الاستيرادات ، فضلا عن المساهمة في تقليص عرض النقد .وتجدر الإشارة إلى ضرورة التنسيق الفعال بين السياستين المالية والنقدية للتخلص من فائض عرض النقد . فهدف تحقيق الاستقرار النقدي يجب أن يكون منسجما مع هدف مستوى الاحتياطيات الأجنبية وذلك لتجنب تعويق التجارة والتحسب للصدمات الخارجية وبالتالي فان استخدام أداة المزاد يجب أن يكون منسجما مع الحد الأدنى المستهدف للاحيتاطيات الأجنبية. وقد حققت هذه السياسة ، إضافة إلى تفعيل عمليات السوق المفتوحة نجاحا ملحوظا في السيطرة على النمو النقدي وتحسين القدرة الشرائية للدينار العراقي. فبعد أن كان الدولار يعادل 1896 عام 2003 أصبح يعادل 1177 دينارا بنهاية شهر أيلول عام 2008، كما تشير تقديرات البنك المركزي العراقي إلى أن معدل التضخم الأساسي بلغ 12% (عدا أسعار المحروقات والنقل) في شهر آب 2008، وسواء احتسبت معدلات التضخم من قبل البنك المركزي أم وزارة التخطيط فلا يبدو إن هناك ميلا لارتفاعات مستمرة بالأسعار بحيث تتطور إلى تضخم جامح.وقد أظهرت السنوات الست الماضية ارتباكاً في العلاقة بين السياستين المالية والنقدية ولم تكن الصورة واضحة إلى الحد الذي يكشف حدود العلاقة في معالجة المشاكل الاقتصادية التي واجهت الاقتصاد العراقي . وقد شخص بعض الاقتصاديين وجود شيء من التناقض في المعالجة لاسيما لظاهرة التضخم الركودي.. فالسلطة المالية تعطي الأولوية لمعالجة البطالة ، وبالتالي تحاول إتباع سياسة توسعية يتم فيها تحمل النسب العالية من التضخم في مقابل انخفاضها مستقبلاً بعد أن يزداد العرض السلعي الناتج عن زيادة الإنتاج ، بينما ترى السياسة النقدية العكس وتحاول معالجة التضخم أولا وتعتقد أن البيئة المالية والنقدية المست
إجراء شكلي يتوج جهود السياستين المالية والنقدية لخفض معدلات التضخم
نشر في: 26 إبريل, 2010: 06:21 م