TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: أزياء قاتلة وأزياء قتيلة

قناطر: أزياء قاتلة وأزياء قتيلة

نشر في: 19 فبراير, 2019: 07:56 م

 طالب عبد العزيز

في أغلب بلدان الخليج العربي يكون اليشماغ الأحمر دالة ترف ومشيخة دين وسياسة، في الشتاء بخاصة، وفي الصيف يكون اليشماغ الابيض بديلاً علاماتياً عنه، وبذات المهيمنة، يكون للعمَّة العُمانية والإزار اليماني صورة أخرى هناك، فهي دالة غير سعودية، خارجة عن وصف التدين والإمارة، ومستبعد انتاسبها الى الثراء، أما الياخة في الدشداشة القطرية فهي مختلفة تماماً عن الثوب الاماراتي، كذلك يكون الزي الكويتي، فهو خاصة المال وتاريخ من التفوق والنفاجة معلوم في الخليج ، بما فيها السعودية، البلاد الاكبر حجماً، والاوسع نفوذاً في الدين والسياسة الدولية، لنتذكر صورة اليشماغ الأحمر(السعودي) في امريكا وأوروبا.
منذ قرابة قرن، تخلص العراق من الزي (العربي) البدوي، فكانت البذلة الافرنجية بديلاً حضارياً، وعنواناً صريحاً على الرقي والتطور، حتى وقت قريب، لكن المنظومة الاجتماعية، والتراجع في الحياة العامة، خلال الأربعين سنة الماضية بوّأ شيخ العشيرة ورجل الدين المكانة التي خرجت من نمط الحياة العراقية، منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 حتى اندلاع حرب الثمانينيات، حيث استعان صدام حسين بشيوخ العشائر واجهة دعائية وضمانة موالاة، ولما فتك الجوع بالشعب في سني الحصار وتسعينيات القرن الماضي، السنوات التي وجد العراقي فيها نفسه مضطراً الى النكوص واستلال الغيب واعتماد الأساطير والخرافات عوناً على حياته، أتيحت الفرصة واسعة لرجل الدين بزيه المعروف، وبذلك يكون زي شيخ العشيرة( العقال واليشماغ) وقرينه رجل الدين( العمامة والثوب الكهنوتي) قد استعيداً ثانية، ليصبحا فيما بعد المثال والانموذج عند العامة والتراجع والنكوص عند النخبة والخاصة.
وهكذا، شيئاً فشيئاً أصبح اليشماغ دالة مناطقية وطائفية، فالأحمر منه، زي سكان الغربية والموصل، وهو سني بالضرورة، والابقع (الاسود بالابيض) فراتي جنوبي، وهو دالة شيعية، ومحدد طائفي بامتياز، إذ يندر جداً ارتداؤه في الوسط والجنوب الشيعيين، مثلما يندر أو يستحيل ارتداء اليشماغ (الابقع) في مناطق الغربية السنية، وهكذا، يدخل الزي بوصفه فيصلاً بين انتماءين، وتعبيراً طائفياً، تصريحاً وتلميحاً، في آن، وكنت أشاهدُ علانية تخلي الرجل الشيعي عن يشماغة الأبقع عند دخوله المناطق السنية، ويفعل صاحب اليشماغ الأحمر ذلك، كلما صار الى الوسط والجنوب، ومن حيث تعلم أو لا تعلم كانت فرقة الخشابة البصرية، ومن خلال فنانيها، تبعث برسائل طمأنة خفيفة الى الجمهور السني في البصرة، وذلك بإصرارهم على ارتداء اليشماغ الأحمر، في حفلات الأعياد والمناسبات الاخرى.
وعبر منظومة سيئة جداً، كرسها البعض، هنا وهناك، يعرّض مرتدي اليشماغ الأحمر نفسه للخطر، إن شوهد في إيران مثلاً، وصارت العمامة الشيعية سبباً لتعرض مرتديها للخطر في السعودية وعموم الخليج، فيما حافظ العراق، الأفندي على حياته هناك وهناك، ولا نعلم كيف يعامل السعودي إن ارتدي الدشداشة القطرية؟ وماذا سيحدث للامارتي إن تواجد بزيه في صنعاء مثلاً، نحن أمة تتسبب أزياء مواطنيها في كراهيتهم لبعضهم ، وتلعب المنظومة القبلية والدينية والسياسية أدواراً سيئة في تفتيتها، ومنذ سنوات ليست بالقريبة تمنح الدشداشة القصيرة باليشماغ الأحمر وعطر دهن العود الصورة النمطية للوهابي المتشدد والقبيح في الزبير والاعظمية. هل، بيننا من يأخذ بأيدينا الى صيرورة جديدة، لا يكون الزي فيها مدعاة للنبذ والطرد والكراهية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram