طالب عبد العزيز
في أغلب بلدان الخليج العربي يكون اليشماغ الأحمر دالة ترف ومشيخة دين وسياسة، في الشتاء بخاصة، وفي الصيف يكون اليشماغ الابيض بديلاً علاماتياً عنه، وبذات المهيمنة، يكون للعمَّة العُمانية والإزار اليماني صورة أخرى هناك، فهي دالة غير سعودية، خارجة عن وصف التدين والإمارة، ومستبعد انتاسبها الى الثراء، أما الياخة في الدشداشة القطرية فهي مختلفة تماماً عن الثوب الاماراتي، كذلك يكون الزي الكويتي، فهو خاصة المال وتاريخ من التفوق والنفاجة معلوم في الخليج ، بما فيها السعودية، البلاد الاكبر حجماً، والاوسع نفوذاً في الدين والسياسة الدولية، لنتذكر صورة اليشماغ الأحمر(السعودي) في امريكا وأوروبا.
منذ قرابة قرن، تخلص العراق من الزي (العربي) البدوي، فكانت البذلة الافرنجية بديلاً حضارياً، وعنواناً صريحاً على الرقي والتطور، حتى وقت قريب، لكن المنظومة الاجتماعية، والتراجع في الحياة العامة، خلال الأربعين سنة الماضية بوّأ شيخ العشيرة ورجل الدين المكانة التي خرجت من نمط الحياة العراقية، منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 حتى اندلاع حرب الثمانينيات، حيث استعان صدام حسين بشيوخ العشائر واجهة دعائية وضمانة موالاة، ولما فتك الجوع بالشعب في سني الحصار وتسعينيات القرن الماضي، السنوات التي وجد العراقي فيها نفسه مضطراً الى النكوص واستلال الغيب واعتماد الأساطير والخرافات عوناً على حياته، أتيحت الفرصة واسعة لرجل الدين بزيه المعروف، وبذلك يكون زي شيخ العشيرة( العقال واليشماغ) وقرينه رجل الدين( العمامة والثوب الكهنوتي) قد استعيداً ثانية، ليصبحا فيما بعد المثال والانموذج عند العامة والتراجع والنكوص عند النخبة والخاصة.
وهكذا، شيئاً فشيئاً أصبح اليشماغ دالة مناطقية وطائفية، فالأحمر منه، زي سكان الغربية والموصل، وهو سني بالضرورة، والابقع (الاسود بالابيض) فراتي جنوبي، وهو دالة شيعية، ومحدد طائفي بامتياز، إذ يندر جداً ارتداؤه في الوسط والجنوب الشيعيين، مثلما يندر أو يستحيل ارتداء اليشماغ (الابقع) في مناطق الغربية السنية، وهكذا، يدخل الزي بوصفه فيصلاً بين انتماءين، وتعبيراً طائفياً، تصريحاً وتلميحاً، في آن، وكنت أشاهدُ علانية تخلي الرجل الشيعي عن يشماغة الأبقع عند دخوله المناطق السنية، ويفعل صاحب اليشماغ الأحمر ذلك، كلما صار الى الوسط والجنوب، ومن حيث تعلم أو لا تعلم كانت فرقة الخشابة البصرية، ومن خلال فنانيها، تبعث برسائل طمأنة خفيفة الى الجمهور السني في البصرة، وذلك بإصرارهم على ارتداء اليشماغ الأحمر، في حفلات الأعياد والمناسبات الاخرى.
وعبر منظومة سيئة جداً، كرسها البعض، هنا وهناك، يعرّض مرتدي اليشماغ الأحمر نفسه للخطر، إن شوهد في إيران مثلاً، وصارت العمامة الشيعية سبباً لتعرض مرتديها للخطر في السعودية وعموم الخليج، فيما حافظ العراق، الأفندي على حياته هناك وهناك، ولا نعلم كيف يعامل السعودي إن ارتدي الدشداشة القطرية؟ وماذا سيحدث للامارتي إن تواجد بزيه في صنعاء مثلاً، نحن أمة تتسبب أزياء مواطنيها في كراهيتهم لبعضهم ، وتلعب المنظومة القبلية والدينية والسياسية أدواراً سيئة في تفتيتها، ومنذ سنوات ليست بالقريبة تمنح الدشداشة القصيرة باليشماغ الأحمر وعطر دهن العود الصورة النمطية للوهابي المتشدد والقبيح في الزبير والاعظمية. هل، بيننا من يأخذ بأيدينا الى صيرورة جديدة، لا يكون الزي فيها مدعاة للنبذ والطرد والكراهية؟