وديع غزوانكانت ومازالت الوظيفة الحكومية هدف الشباب الخريجين او سواهم، وهذا الأمر موروث قديم لازمنا طويلاً منذ الاحتلال العثماني بغداد وبذلك فهو يسبق زمن التشكيل الأولي للدولة العراقية عام 1921 . هذا الهوس بالوظيفة له أسبابه في مجتمعاتنا، فهو كان يعني الهيبة والمستقبل المضمون والقرب من الحكومة بأية صورة كانت،
وكان الواحد منا يتوسل السبل ليحظى بوظيفة بسيطة تعينه على متطلبات الحياة القاسية .. ولم يجر كسر هذه القاعدة الا بعد 1991 وفرض الحصار الجائر, على الشعب وليس النظام،حيث صار موفور الحظ من يتمكن من الحصول على تقاعد او استقالة، لكن الامر عاد أكثر مما كان عليه في السابق بعد 2003 وما أعقب أحداثها من طفرات غير مسبوقة وغير مدروسة برواتب الموظفين، شكل عبئاً على ميزانية الدولة، ومما زاد الامر سوءاً لجوء غالبية عظمى من المتقاعدين للعودة الى وظائفهم باعذار شتى ناهيك عن إعادة أفواج للوظيفة بحجة الفصل السياسي بعضهم ابعد الناس عن هذه الصفة.المهم عاد بريق الوظيفة اكثر مما كان عليه في السابق في العراق ومنه إقليم كردستان وصار الخريجون يمنون النفس بالعمل في المؤسسات الحكومية دون ان يتطلع، ربما الا القليل والنادر منهم، الى البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص، وكان من نتيجة ذلك تحميل الحكومات مسؤولية البطالة واستفحالها في كردستان وغيرها، انطلاقاً من مفهوم خاطئ اعتدنا فيه ان نلقي بكل مشاكلنا على الدولة.صحيح اننا بلد نفطي ويمتلك الكثير من الموارد، التي لو تم استثمارها بشكل عقلاني وصحيح لكنا في مصاف غيرنا من الدول الغنية ولا نقول المتطورة فهنالك فارق بين الاثنين, بلد يفترض لو كان هنالك حد ادنى من العدالة في توزيع موارده ان نتمتع مع أولادنا بجزء يسير من ثرواتنا التي هي كما ينص الدستور ملك كل الشعب، لكن هل يمكن لنا ان نتصور حتى من باب الافتراض المقارب للأحلام تحقيق ذلك في الأمد المنظور؟ لا أظن ذلك لأسباب عديدة منها اننا ما زلنا و منذ سبع سنوات نتخبط في اختيار النهج الاقتصادي الذي يمكن ان ينتشل الوطن مما هو فيه، كما ان سلم الرواتب وضع بوناً شاسعاً بين المحظوظين من ذوي الدرجات الخاصة وغيرهم بل تميزوا حتى بالقانون والراتب التقاعدي الذي يتجاوز في نسبته راتب موظف تتجاوز سنوات خدمته عمر عدد غير قليل من موظفي الدرجات الخاصة ممن تقلدوا وظائفهم بتوصية حزبية او غيرها من الوسائل التي لا تمت بصلة الى مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب.ما نحن فيه سواء حجم البطالة في وسط الخريجين او غيره، لا يتحمله طرف واحد بل الكل ساهم فيه بهذا القدر او ذاك، وفي ما يتعلق بالتشبث بالوظيفة الحكومية فان القضية تتطلب جهوداً مخلصة وصادقة تضع معالجات للكثير من القضايا من بينها نظام القبول في الجامعات وآليات المنح او القروض للعاطلين عن العمل وتشجيع الخريجين لإنشاء مشاريع تفتح لهم أبواباً واسعة للمستقبل وغيرها من الإجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لا ينفصل احدها عن الآخر .صحيح ان مسؤوليات الحكومة كبيرة ومتشعبة في مرحلة التغيير التي يشهدها العراق، ليس بالضرورة ان يكون تعيين كل الخريجين في مقدمتها، لكنها،اي الحكومة، بالتأكيد مسؤولة عن توفير عيش كريم وآمن للمواطن، وهذا يحتاج الى وقفة جادة من البرلمان والحكومة في المرحلة القادمة تؤسس لتشريع قوانين تعيد لنا الثقة بان هنالك من يحرص على الثروات والموارد العامة وتوزيعها كخدمات ومشاريع تبشر بالخير لجميع العراقيين، عندها يمكن ان نقول ان أمنياتنا ليست مجرد أضغاث أحلام.
كردستانيات:لكي لا تكون أمنياتنا أضغاث أحلام!
نشر في: 26 إبريل, 2010: 07:02 م