عدنان حسين
إقالة الزميل مجاهد أبو الهيل لن تحِلَّ مشكلة شبكة الإعلام العراقي ولن تُنهي محنتها المتواصلة منذ تأسيسها، مثلما لم يحصل شيء كهذا بإعفاء وفصل وإنهاء خدمات رؤساء الشبكة ومدرائها السابقين منذ ما بعد الراحل جلال الماشطة حتى اليوم.
مشكلة الشبكة أو محنتها لا تتعلّق بالأشخاص فقط .. إنها تتّصل في المقام الأول بالنظام (سيستم)) المعتمد في تعيين الرؤساء والمدراء وعموم العاملين في الشبكة .. إنه نظام لا يصلح أبداً لمؤسسة إعلامية أو غيرها، عامة كانت أو خاصة... هذا هو سبب فشل الشبكة، بل دمارها .. هذا ما يتوجّب إدراكه، فإذا عُرِف السبب بطُل العجب كما قيل.
من المفترض أنّ الشبكة مستقلة.. هي بموجب الدستور هيئة مستقلة، لكن المحنة الحقيقية أنها وسائر الهيئات الموصوفة بالمستقلة لم تكن يوماً كذلك حتى بأدنى الدرجات والمستويات. القوى السياسية المتنفذة في الحكومة، وبخاصة التي حكمت بقوة أكبر ومدة أطول، وهي بالذات ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة الإسلامية وزعيم الاثنين نوري المالكي، لم يحترموا حكم الدستور بِشأنها والهيئات الأخرى.. هؤلاء أجهزوا على استقلالية الشبكة وسائر الهيئات، والسبب أنهم تعاملوا مع هذه الهيئات بوصفها إحدى واجهات الائتلاف والحزب وديوان رئيس الوزراء وبوصفها أيضا دجاجة تبيض ذهباً لهم، فكانوا أن استثمروها سياسياً، أو هكذا ظنّوا، واستثمروها مالياً فاستحوذوا من خلالها على عشرات، بل ربما مئات ملايين الدولارات من المال العام.
يذهب الآن مجاهد أبو الهيل، وقبله ذهبت نصف دزينة أو أكثر من الرؤساء والمدراء، والشبكة بقيت تعاني المشكلة ذاتها وتكابد المحنة نفسها. وبعد أبو الهيل ستبقى الحال على ما عليه لمدة نصف قرن ما دام "السيستم" المعتمد في التعيينات والإدارة على حاله لا يتعدّل ولا يتبدّل.
في شبكة الإعلام وخارجها يوجد العشرات من أفضل الكفاءات الإعلامية ومن أذكاها، لكنها غير مستثمرة على النحو الصحيح بسبب وجود من هم غير أكفاء وغير خبراء وغير نزيهين في الإدارة، وهذا يرجع إلى تدخّل القوى السياسية في عملية تعيين الكوادر.
علاج أيّ مشكلة أو محنة مثل علاج أيّ مرض، يكون أولاً بتشخيص المرض على نحو ناجع ووضع خطة علاج مناسبة تفضي إلى الشفاء.. هذا ما لم يحصل في شبكة الإعلام ولا في أي هيئة أخرى . كلّ "العلاجات" المتّخذة" يضعها "الأطباء" السياسيون" الذين لا يتقنون المسك بمبضع ولا وضع سماعة على الأُذن، والنتيجة أنّ مئات ملايين الدولارات قد أُهدرت هباءً من دون عائد مناسب لصالح فاسدي الشبكة والقوى السياسية الواقفة وراءهم، فيما آخرون أنفقوا موازنات أقل بكثير وحققوا عوائد جيدة.
مشكلة الشبكة لا تُحلّ إلا برفع أيدي السياسيين وإيلاء المهمة إلى خبراء الإعلام من الشبكة أولاً بمعونة زميلات وزملاء لهم من خارجها.
كلّ الإجراءات السابقة كانت دائماً أبعد ما تكون عن العلّة وعن العلاج الناجع، فلا تتأملوا خيراً بمجرد إعفاء أبو الهيل أو غيره من وظيفته.