adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
كلّ يوم يبعث لي قسم الإعلام في هيئة النزاهة، مشكوراً، ما يصدر عنهم من بيانات وتصريحات، غالباً ما تتعلق بقضايا الفساد الإداري والمالي التي حققت فيها الهيئة أو شرعت بالتحقيق فيها. بالطبع معظم القضايا هي من النوع الصغير والمتوسط، أما القضايا الكبرى فلا نتوقّع أنّ الهيئة قادرة الآن على تجاوز الظروف ( السياسية) المانعة للكشف عنها ، لأنها تتعلق بكبار الفاسدين، وهم كبار المتنفذين في السلطة، أفراداً وأحزاباً وهيئات ودواوين وميليشيات وسواهم .
سأختار هنا واحدة من هذه القضايا الصغيرة لنتبيّن حجم الجرائم الكبيرة المرتكبة في إطارها.
القضية المعلن عنها يوم الأحد تتعلق بنتائج تقصي الهيئة واقع المشاريع والخدمات المقدّمة الى منطقة المعقل بالبصرة. التقرير يورد ما ألخصه هنا من نتائج انتهى اليها تحقيق الهيئة:
- رصد تسربات في خطوط نقل المياه الثقيلة رغم حداثة إنشائها.
- حدوث توقفاتٍ كثيرةٍ في المشاريع؛ لعدم دراسة واقع حال المنطقة عند إعداد تلك المشاريع من قبل المحافظة.
- إضافة فقراتٍ جديدةٍ لمعالجة الأخطاء بعد الشروع في التنفيذ؛ ممَّا أدّى إلى حصول إرباكٍ أثناء التنفيذ..
- معاناة المواطنين؛ نتيجة كثرة وجود الحفريَّات والنفايات والتجاوزات على الشوارع والبناء على المبازل الموجودة في المنطقة، وهو ما تسبَّب بغرق بعض الشوارع وعدم قيام بلديَّة البصرة بواجباتها تجاه المُتجاوزين، إضافةً إلى حصول تسرباتٍ بالخطوط الناقلة للمياه الثقيلة، رغم كونها حديثة الإنشاء (أُنشِئَت عام 2014) وقيام الشركة المُنفِّذة بإجراء حفرياتٍ تسبَّبت بحصول أضرارٍ كبيرةٍ في الأرصفة والشارع الذي تمَّ تبليطه حديثاً.
- غياب أي دورٍ لمُديريَّات الماء والمجاري والبلديَّات في المنطقة، وعدم اتِّخاذ الإجراءات المُناسبة للتعامل مع حالات التجاوز على شبكات الماء والشوارع والساحات وتراكم النفايات، وعدم قيام تلك الجهات بمعالجة الأضرارالناتجة عن الأضرار الحاصلة بشبكات نقل الماء وطفح المجاري والتجاوز على الشوارع.
التقرير لا يورد أية أرقام ومعطيات أخرى تجسّد حجم الأضرار الحاصلة، وهذه من النواقص الكبيرة في الواقع، لكنه يذكر أن الهيئة أعلنت من قبل أنَّ فرق التحقيق التي ألفتها في تشرين الأول (2018) لتصنيف القضايا الجزائيَّة من حيث أهمِّيَّتها، واستكمال التحقيق والتحرِّي في مشاريع الإعمار والخدمات والاستثمار المتلكِّئة تمكنت من رصد (2736) مشروعاً متلكئاً بلغت أقيامها قرابة 36 ترليون دينار.
في بلدان اخرى ستحرص الجهة المحققة على التفصيل في هذه البيانات لانها مهمة. وفِي هذه البلدان ستتمكن وسائل الإعلام إجراء تحقيقاتها العادية والاستقصائية بحرية استناداً الى قوانين حرية تدفق المعلومات المكفولة دستوريا.
لو كان لدينا مثل هذا لعرفنا كم ضحية كانت لكل فقرة من فقرات التقرير(توقفات العمل في المشاريع الحيوية،وجود الحفريات والنفايات، تسربات المياه الثقيلة ، غرق بعض الشوارع،لأن هناك بشراً قد ماتوا أو لحقت بهم أضرار مادية ونفسية من جراء ذلك، فما كان ممكناً أن يحصل كل هذا ولا يقع أي ضرر في الأرواح أو الممتلكات.
وراء هذا كله بشر،… هم الذين أداروا المشاريع والدوائر الحكومية... هؤلاء هم السبب، أو بالأحرى فسادهم هو السبب.. لهذا بالذات نريد ملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم ومحاسبتهم لوقف المزيد من جرائمهم مدفوعة الثمن من دم الشعب العراقي وماله..
الفاسدون لا ضمائر لهم، محاسبتهم واجب أخلاقي ووطني.