علي حسين
تعلّمنا الصحافة كل يوم أن الحقائق ليست هي الضرورة الوحيدة دائماً، صحيح أن ذبح 50 إيزيدية حقيقة ، والفشل الذي يحاصرنا حقيقة دامغة ، ودعاة الخراب وهم يظهرون على الفضائيات بكامل ابتسامتهم حقائق ساطعة ، لكن معركة كسر العظم بين مشعان وصديقه السابق أحمد الجبوري نوع من أدب الخيال ، مثلها مثل عودة بهاء الأعرجي بأثواب جديدة ، أنا يا سادة أفضل وصف مشروع الهيئات المستقلة "بالخيال" مثلها مثل مجلس مكافحة الفساد ، روايات هزلية لعب فيها الخيال دورا كبيرا ، وفي كل مرة وأنا أقرأ عن عقد اجتماع وطني !! أتجه بنظري إلى رفوف الكتب لأبحث عن حكاية دون كيشوت وحصانه الهزيل ،لأسأل نفسي كم من التأويلات تتحمل حياتنا ونحن نسمع ونشاهد شخصيات تصف نفسها بالسياسية لاتريد أن تغادر مكاسبها ومناصبها ، وتنشغل بتأمين مقاعد الوزارات والهيئات المستقلة لأصحابها وأحبابها ، هؤلاء ونحن معهم متورطون حتى النخاع في خراب العراق وتمزيقه وتخلفه ، كلّنا مشاركون، كلّنا جزء مما يسمى مهزلة الاجتماع الوطني. كم من التأويلات يقبل دون كيشوت ، وكم من التأويلات تقبل مدينته "لامانتاشا" ساحة معاركه الخيالية، إن جرثومة البطولة الزائفة حين تناولها ثربانتس كفت عن كونها مجرد خيالات وأوهام، إنها تبلع العقل وقد تفتك به، مثلما فتكت بالفارس الهمام دون كيشوت، وحين يعم الوهم يزحف الخراب على المدن والبشر، ، حاول ثربانتس أن يعبث في الطرح ، فقد كانت الحقيقة مرة دائماً ، لأنّ الشرّ لا يريد لخطواته أن تغادر الأرض ، ، يحمل أسماء كثيرة ، ويتخذ صفات عدة ، لكن له غاية واحدة هي السخرية من طموح الناس البسطاء ، وتطلعهم الى الخير والمحبة ، وتصوير الداعين الى الألفة والتسامح على انهم مجانين ، يحاربون طواحين الهواء.
في نهاية ملحمة دون كيشوت ، يلعن فارس دي لامانتاشا الشهير بين العرب بـ " دون كيشوت " ، حكايات الفروسية التي صدَّقها، والعالم المثالي الذي حلم به ، لكنه مع كل ماجرى يريد أن يعيش حياة جديدة لا أكاذيب فيها ، فليكن لأصحاب الواقع والمناصب والباحثين عن لفلفة الهيئات المستقلة ، والساعين الى تحويل مؤسسات الدولة الى إقطاعيات خاصة ، عالمهم الخاص ، فدون كيشوت العراقي لا يستطيع الخروج من عالمه الذي أُجبر على العيش فيه ، حيث الفساد هو نفسه الذي يُفتّت البلاد، . الفساد الذي يصرّ أصحابه على أن يضعوا في مواقع السلطة آكلي ثروات البلاد وسراق احلام الناس .