ستار كاووش
حدثني رسام في مقتبل العمر عن الصعوبات التي يواجهها في عمله رغم إمتلاكه موهبة كبيرة، وسألني عن نصيحة تساعده على قيادة موهبته نحو الطريق المناسب وَتُعينَهُ على تجاوز ما أسماه بالفشل. ترددتُ في الكتابة لأني مازلت أيضاً أبحثُ عن موطئ قدم وسط عالم الرسم الواسع، مع ذلك أحببت أن أشاركه ببعض الكلمات التي تسانده وتزيل بعض الغبار الذي أمام عينيه:
تأكد أيها العزيز إن الموهبة لا تساوي شيئاً ان لم تستثمرها بشكل صحيح، وقبل أن تفكر بموهبتك، عليك أن تعرف إن الخيال هو أساس الإبتكار في الفن، لذلك نَمّي خيالك، وتتحسس ماهو حولك بطريقة ودودة وروح تغمرها البساطة والمحبة. أبدأ بقدح الشاي الذي أمامك، أنظر اليه وتَنَشَّقَ رائحته الطيبة التي إمتزجت مع لونه الأحمر الداكن، تأمل نعومة البخار المتصاعد من حافة القدح وهو يتوارى في فضاء الغرفة، إفتح النافذة وتَبَصَّر التفاصيل في الخارج وكأنك تراها لأول مرة، وانظر الى الأعلى بملء طاقتك ليدخل الضوء الى روحك. أخطو خارج البيت لتتعرف من جديد على لون السماء وإرتجاف ضوء الشمس، ومرر بصرك على إختلاج ماء النهر وأشكال الأشجار المختلفة. لا تتوقف عند بضع خطوات، بل أمضِ وتأمل ما حولك، فهناك بهاء الطبيعة والكثير من اللوحات والأغاني والكتب التي لم تطلع عليها بعد، كذلك هناك العديد من الناس الطيبين الذين يودون صادقين إقتسام كل ذلك معك.
الفشل غير موجود، وهو كلمة إخترعها الكسالى، إنه يشبه العشب الضار الذي لا يجب أن يعيق نمو الزهور الجميلة في حديقة روحك. الفشل ليس عقبة، بل هو مجموعة تمارين في طريق نجاحك، لذا فلتجعله خطوتك الأولى نحو هذا النجاح. مَجِّد الأشياء الصغيرة التي تبدو للآخرين عديمة الفائدة، وأَشِر الـى ما يحيطك من محاسن، فسيصيب موهبتك الأعتلال إنْ لم تنتبه الى الجمال الذي يملأ الأشياء والتفاصيل الصغيرة، فملعقة الشاي التي تبدو ضئيلة في نظرك، هي من تجعل شايك حلو المذاق، وإلتماعة صغيرة من ضوء الشمس على زجاج نافذتك هو ما يفصح لك عن يوم جديد، فلا تجعل بابك موارباً بل إفتحته مثلما تفتح أزرار قميصك ليدخل ضوء الحياة الـى قلبك. إسحب نفساً عميقاً وتـذكر إنك ما زلت على قيد الحياة، وهناك من يحبك وينتظر منك نتائج باهرة.
لا تتذمر عند أول الدرب، ولا تضيّع ساعات أو حتى دقائق مما هو متاح لك، وبدلاً من أن تركل أحجار الطريق، إبنِ منها بيتاً حتـى وإن كان صغيراً. جاهد على أن تكون فرديتك عالية، وفي الوقت ذاته تكون موجوداً عند حاجة الآخرين إليك، ولا تنس إنك كائن فريد ونسخة أصلية كما كان مايكل أنجلو وبيكاسو وجواد سليم، والفرق الوحيد بينك وبينهم، هو إنهم نجحوا بعد محاولات عديدة، لذا عليك أن لا تفرط بحصتك في المحاولة، وإذا لم تُصَّوِب فلن تصيب الهدف بكل الأحوال، لكن عليك أيضاً أن تكون جاداً في المحاولة، وتذكر إن البداية الجيدة هي نصف قيمة العمل النهائي.
نجاحك وسعادتك بين يديك، ورغم أن الحياة ليست عادلة دائماً، لكنها جميلة حتماً حين ننظر اليها بطريقة خاصة تمثلنا وتمثل وجهات نظرنا، ولا نحتاج دائماً الى إكتشافات كبيرة كي ننجح ونحب الحياة، بل الأفضل أن تكون هذه الأكتشافات صغيرة شرط أن تمثلنا. فلا تستعير حذاء أكبر من قياس قدمك كي تكون خطواتك كبيرة، والأجدى ان تكون خطواتك شخصية وتقطعها بحذائك حتى وان كان بالياً. النوايا هي الوجه الآخر للأحلام وستذهب أحلامك أدراج الريح ان لم تتحول الى نتائج ملموسة، لأن ذلك هو الشيء الوحيد الذي ستتركه بعدك ويعطيك قيمة.
ما يحيطنا يكفي لملء سلال الحياة بالجمال، فأنظر الى أوراق الخريف اليابسة التي تتساقط في الحدائق المجاورة، كم تحتاج من الأعوام كي تتفحص ولو جزءاً ضئيلاً من أشكالها المختلفة وتدرجات الألوان غير المتناهية التي تعلوها؟
أنت لديك الفن السومري والآشوري تغرف منه ماتشاء، بينما هؤلاء الأجداد لم يكن لديهم ملهماً بهذا الحجم. فإمضِ في طريقك وتمتع بما يقع بين يديك وما يراه بصرك وما يتحسسه قلبك، ولتجعل رائحة القهوة تملأ مرسمك في الصباح، وأزح الستائر كي تتخلل أشعة الشمس نافذتك وتستقر على لوحتك الجديدة، حينها سيمتلئ يومك بالضوء وقلبك بالمحبة. ولا تَنْسَ إن كل يوم هو يوم جديد.