اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: مهرجان المربد وحسين عبد اللطيف

قناطر: مهرجان المربد وحسين عبد اللطيف

نشر في: 5 مارس, 2019: 12:00 ص

 طالب عبد العزيز   

سيكون لمهرجان المربد الشعري بدورته التي تبدأ أعمالها، بعد غدٍ، أكثر من معنى، إذا نأت بنفسها عن عشرات القراءات الشعرية الساذجة، وكرست من قضية الدراسات النقدية والبحوث الخاصة بشعر المسمّى الدورة باسمه، الشاعر حسين عبد اللطيف، الظاهرة الشعرية الفريدة بحق، في الشعر العراقي. الشاعر الذي خرج من التجييل والانتماءات وانفرد بالصوت الخاص، والتجربة التي لا تشبهها أي تجربة شعرية عراقية.
ربما، أكون من المطلعين على معظم شعر حسين عبد اللطيف، فقد ابتدأت معه قارئاً، منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عبر ديوانه الأول( على الطرقات أرقب المارة) وأتذكره شاعراً بالغ الأثر، في شعرنا العراقي، فهو رائد في التوجه نحو عوالم القصيدة الحديثة، ذات الانتماء الخاص، خارج الاجيال، وخارج لعبة السياسة والانتماءات، هذا الذي نشأ وسط مضطرب في السياسة ومنقلب أجتماعي وفكري، لأنه لم يخضع لأي أيديولوجيا، وظل شاعراً يهتدي بنور مشروعه في الشعر لا غير. لم يكن شيوعياً، لكنه لم ينكر عليهم جمال ورقي أفكارهم، ولم يكُ بعثياً ، لكنه كان يشنع عليهم وحشيتهم. وفي جو من الشحناء والبغضاء بقي شاعراً، وكانت المقهى أحب الأمكنة اليه، هناك، حيث يكثر مريدوه ويختلف عليه محبوه.
كان ديوانه الثاني (نار القطرب) العلامة الأكثر وضوحاً في مشروعه الشعري، مثلما كان ديوانه الأول(على الطرقات أرقب المارة) كتاباً تأسيسياً. أحبَّ لوركا، وتأثر بايليوت، وجنح مع رامبو وبودلير ولوتريامون لكنه تماهى مع فوكنر وكان يسهب في الحديث عن اهميته. كان يضع أصبعه على البيت الزائد في القصيدة، مثلما يضع كفه على الانشاء الزائد في اللوحة. عين سكلوبية قادرة على تخليص العمل الفني من الضعف، وتشذيب الزوائد، لا يملك لغة نقدية عالية، لكنه يمحو ويضيف ويشير ويؤكد ويهمل ويقترح ما ليس بمقدور أحد على الاشارة اليه، وما عليك إلا أن تأتمنه. وكنت بوعيي الكامل، حين انحنيت، مقبلاً يده التي كتبت قصيدته الرائعة(إزهرار).
في مقهى الشناشيل، بالبصرة القديمة، عام 1980 تعرفت على حسين عبد اللطيف، وفيها ،أطلعته على قصيدتي( وثبة النمر الاخيرة) التي كتبتها في العام 1978، عقب الهجمة الوحشية، التي تعرض لها الحزب الشيوعي- كنت عضوا فيه- من قبل الاجهزة الامنية البعثية، ودونما انتباهة مني، كان مدَّ يده لي محيّياً، وفي مجالس كثيرة، كان يقول تعرفت على طالب عبد العزيز وهو شاعر كامل، يكتب التفعيلة. ولم نكن معرفتي به بالحدث العارض، لأنه لم يكن عارضاً في الشعرية العراقية، فهو الذي قال: على الشاعر أن يفرد له جناحاً خاصا به، مهما اتسعت السماء بالطائرين.
حسين عبد اللطيف شاعر قصيدة، أكثر مما هو شاعر ديوان. وهو شاعر من طراز فريد، لا يشبهه أحد، قصائده تتشابه في أبنيتها، لكنها تفترق في مضامينها وعوالمها، عوالم حسين غير متوقعة، تبدأ باليومي والقريب والفلكلوري ولا تنتهي بالحلمي والبعيد، ولا يمكن معاينة منجز حسين عبد اللطيف من خلال كتاب معين، في تجربته الشعرية، حتى أن دار الجمل، التي أصدرت مختارات من شعره، لم تتطرق إلا الى كتابين من شعره (على الطرقات أرقب المارة) و(نار القطرب) لكن، القصائد التي أختيرت كانت دالة على تجربة خاصة جداً، صنعها شاعر لم يعرف من مهن الدنيا إلا الشعر، وإذا كان ايليوت قد وصف ازرا باوند بالصانع الامهر، فقد كان حسين عبد اللطيف الصانع الامهر بحق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. لؤي

    مقال جيد

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram