علي حسين
سأكسر القاعدة هذه المرة وأكتب عموداً من حزئين ، الأول سأخصصه للمرأة التي شغلت العراقيين على مدى أكثر من سبعة عقود وأعني بها عفيفة اسكندر ، والثاني عن سيدة عراقية كبيرة – نزيهة الدليمي – ظلت تملك حلماً كبيراً لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبثّ الأمل في نفوسهم، لأننا بحاجة إلى أن نتذكر المرأة العراقية التي هي البطل الحقيقي في حياتنا ، والتي أرشحها بضمير مستريح.. لتكون شخصية العام الحالى والسابق والقادم.. وعلينا إقامة تمثال كبير.. يعترف لها بالفضل ويدين بالعرفان ، وأن لانبالي لما يقوله عمار طعمة ورهطه من الذين يحللون سرقة المال العام ويحرمون مصافحة المرأة ، فنحن بدون المرأة سنعيش حتماً في عتمة وتصحّر مع مسؤولين مصرّين على أن يورثونا تجهّم نوري المالكي فقط لاغير!
شغلت المطربة عفيفة اسكندر الأوساط الفنية والثقافية في بغداد.. فهذه المرأة المسيحية الجميلة دخلت الإذاعة العراقية عام 1937 ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان.. كان السحر عند الناس آنذاك هو الراديو.. فقد استحوذ الأثير المغني على البيوت.
جاءت من أربيل إلى بغداد، صبيّة تحلم بعالم من الشهرة والأضواء، كان عالم بغداد جميلا ومختلطا وملونا، ففي هذه المدينة تحمل الشوارع المضاءة أسماء ملوك وشعراء وفلاسفة ، مدينة تتطلع إلى المستقبل بعيون مفتوحة علقت الشواهد على شوارعها الرئيسة " ، أبو نواس، السمؤل، ابن سينا، تلك كانت بغداد الثلاثينيات والقادمون يأتون من قريب ومن بعيد يغنون، ويعشقون، ويحلمون بيوم يصبحون فيه قادرين على العيش برفاهية، وعلى الحصول على جهاز "باي" يغنّي لهم داخل البيت بدلاً من إسطوانات جقماقجي وبيضافون.
"إذاعة بغداد" كانت على بعد خطوات من البيت الذي سكنته عفيفة وسوف تغامر ذات يوم، بالذهاب صوب الإذاعة، وتطلب من فؤاد جميل مدير الإذاعة آنذاك، أن تغني ولكن من سيلحن لها الأغنية؟ لم يكن غير اليهودي صالح الكويتي الذي كانت أصوات المطربات تنتظر عند عتبة بيته، غنّت عفيفة فأطربت وقبضت أعلى أجر تأخذه مطربة آنذاك وهو دينار ونصف الدينار دفع لها من أموال الجباية التي تأخذها الإذاعة نظير تقديم برامجها لمن عنده جهاز راديو،
وبأمر من المترجم والأديب فؤاد جميل، بدأت عفيفة الرحلة نحو الأسطورة، ولم يكن لها أن تدرك أنها سوف تصبح ذات يوم نجمة بغداد المشعّة .
تحتل المرأة في العراق منذ سنوات ربع مقاعد البرلمان ، لكن للاسف تتشكل الحكومات وتنحل من دون ان ينتبه احد الى ان المرأة يجب ان تكون ممثلة فيها. والمؤسف انه عندما اعطيت حقها البرلماني ، طلب منها الساسة ان تظل مجرد رقم لا يصل الى هالة نزيهة الدليمي .